محفوظ بـــدروني
(نائب رئيس الجمعية الوطنية لمكافحة الفساد)
30 مارس 2020
مقدمة:
إنّ أي عملية تغيير للنظام السياسي يجب أن تسبقها عملية تشريح لطبيعة الأزمة و فهم لسبب الانسداد الحاصل في بلادنا منذ عام 1962، تاريخ حصول البلاد على الاستقلال الشكلي.. و من ثم وضع و اقتراح الحل المناسب، و رسم خارطة طريق تحدد كيفية الانتقال من نظام سياسي موجود إلى نظام سياسي منشود، بما يسمح بمشاركة جميع أطياف الشعب الجزائري المطالبة بالتغيير و العاملة من أجله في إدارة مراحل إنتقال ديمقراطي ناجحة، على أسس رصينة وسليمة، تعاقدية وتوافقية، في إطار برنامج زمني مناسب لكل مرحلة يؤسس لعملية تشاركية سياسية ومجتمعية وشعبية، يتحقق فيها اصطفاف العاملين من أجل التغيير الجذري لأجل بناء نظام سياسي جديد تراعى فيها التجارب والدروس المستفادة وتوضع لها الضمانات المرجوة سواء للتنفيذ أو لحسم الخلاف إن وجد. إن الحراك الذي نحياه حاليا يأتي تأسيساً على نضال الحركة الوطنية و كفاح الثورة التحريرية، و يسعي لإعلان مشروع سياسي متكامل يوضح مرحلة ما بعد رحيل « الانقلاب العسكري » الذي وقع عام 1962 و إزاحة النظام الإستبدادي و إنهاء حكم العسكر. و في نظري فإنّ مراحل الإنتقال من دولة الفساد و الاستبداد إلى دولة الحق و العدل و الحرية، أو ما اصطلح عليه ب »الإنتقال الديمقراطي » هي أربع مراحل نوصفها فيما يلي:
المرحلة الأولى – مرحلة الحراك الشعبي و الثورة السلمية:
تبدأ من انطلاق الحراك الثوري و الثورة الشعبية إلى غاية سقوط النظام. و هي المرحلة التي نعيشها حاليا و نحياها راهنا و التي يتعين علينا أن نسيرها وفق القواعد الشراكة السياسية و التوافق الوطني. وبناء عليه، وجب تأطير الحراك و تنظيمه عن طريق توافق النخب و النشطاء على أرضية سياسية و استراتيجية موحدة و ميثاق أخلاقي لإدارة الصراع مع منظومة الحكم التسلطية، قصد خلق ميزان قوى لصالح قوي التغيير والثورة يؤدي إلى في نهاية المطاف إلى إرغام من هم في السلطة و الحكم على التفاوض قصد تسليم السلطة و الحكم إلى من يرتضيه الحراك و الثورة بما يضمن تحقيق أهداف الحراك و مطالب الثورة الشعبية.
المرحلة الثانية – المرحلة المؤقتة: هذه المرحلة تلي مباشرة سقوط النظام و تمتد إلى غاية بداية المرحلة الإنتقالية، وهي ضرورية و جسر لا بد منه للعبور من النظام الاستبدادي إلى المرحلة الإنتقالية. فهي ضرورية من حيث أنّه لا يمكن الانتقال إلى المرحلة الانتقالية دون المرور على هذه المرحلة بالنظر إلى أنّ المرحلة الإنتقالية لا بد و أن تؤسس على شرعية شعبية لا غبار عليها. ففي هذه المرحلة سيتم خلالها تحديد معالم و أسس إدارة المرحلة الإنتقالية و إعداد خارطة طريق لها (المرحلة الانتقالية) وما يجب انجازه خلالها. و من ثمّ فلا يمكن في هذه المرحلة إجراء أي انتخابات لأي هيئة أو مؤسسة إلاّ بعد رحيل النظام الاستبدادي و غير الشرعي و هذا بالنظر إلى أنّه لا يعقل أن يثور الشعب على نظام حكم ثم يكلفه بتنظيم انتخابات أو استفتاء؟؟؟!!!! لذلك يتعين الإنتقال و المرور إلى هذه المرحلة بدون انتخابات و ذلك بإرغام النظام على تسليم السلطة و مقاليد الحكم إلى مجلس حكم رئاسي يتم من خلاله إعلان سقوط النظام و رحيله نهائيا.
في هذه المرحلة، لا بد أن تجتمع القوى السياسية و تتوحد الفئات الإجتماعية المخلصة التي عملت من أجل إحداث التغيير و إسقاط النظام و لم تتلوث مع النظام البائد في تسيير هذه الفترة وفقا لقواعد التوافق و الشراكة و الإدارة التعددية، ضمن حالة توافقية توضع لها الآليات المناسبة بالاتفاق بين التيارات السياسية دونما نظر إلى الخلفيات الفكرية أو الاتجاهات الإيديولوجية.
مؤسسات المرحلة المؤقتة و برنامج عملها: تشمل مؤسسات المرحلة المؤقتة ما يلي:
أولا- مجلس حكم رئاسي: يتكون من شخصيات ذات مصداقية، مشهود لها بالوطنية و النزاهة، و لم يسبق لها أن تورطت مع النظام السابق في الفساد و الاستبداد، و معروفة بوقوفها على مسافة واحدة من جميع القوى و التيارات السياسية، ومتفق عليهم، على أن لا يحق لأي عضو منهم الترشح لأول انتخابات رئاسية أو برلمانية قادمة.
ثانيا- مجلس استشاري: يساعد مجلس الحكم الرئاسي بتقديم المشورة و إعداد النصوص التشريعية و التنظيمية لا سيما خريطة الطريق – التي تعتبر دستور المرحلة الإنتقالية – و قوانين الإنتخابات، و يجب أن تتوفر فيهم شروط الكفاءة و الخبرة.
ثالثــا- حكومة كفاءات مصغرة: تتولى إدارة الأمور الجارية و تصريف الأعمال العادية و يجب أن تتوفر في أعضائها شروط النزاهة و الكفاءة، على أن لا يحق لأيّ عضو منهم الترشح لأول انتخابات رئاسية أو برلمانية قادمة.
تتولى مؤسسات المرحلة المؤقتة، تحت إشراف مجلس الحكم الرئاسي، ثلاث مهام أساسية هي:
1- إطلاق نقاش عام و تنظيم حوار وطني جامع لأجل إعداد و بلورة خارطة طريق و صياغة أرضية سياسية تصاغ في شكل إعلان دستوري يستفتى عليه الشعب و الذي سيكون بمثابة دستور الدولة خلال المرحلة الإنتقالية(أو دستور مؤقت للدولة) و الذي على أساسه تسير المرحلة الإنتقالية و هذا بالتشاور مع جميع مكونات المجتمع السياسي و المجتمع المدني باستثناء الأشخاص و الهيئات المناهضة للتغيير و المعادية للحرية و المساندة للاستبداد و المتورطة في الفساد.
يتضمن الإعلان الدستوري تحديد فترة المرحلة الإنتقالية، مؤسساتها مع تحديد شروط من يتولى المسؤولية فيها و صلاحياتها و سلطاتها. كما يحدد برنامج عمل أو مهام التي تتولى المؤسسات إنجازها و القيام بها خلال المرحلة الإنتقالية و كذلك النظام الإنتخابي و تقسيم الدوائر الإنتخابية الذي على أساسه يجرى انتخاب أهم مؤسسة من مؤسسات المرحلة الإنتقالية ألا وهو البرلمان.
2– تنظيم استفتاء على الإعلان الدستوري من قبل هيئة مستقلة لتنظيم الانتخابات،فإذا ما قبله الشعب الجزائري فإنّه سيكون بمثابة دستور الدولة خلال المرحلة الإنتقالية (أو دستور مؤقت للدولة).
إجراء انتخاب أهم مؤسسات المرحلة الإنتقالية و هو البرلمان (المجلس الوطني الجزائري).
و تمتد من ثلاثة(03) أشهر إلى ستة(06) على الأكثر و لا يمكن أن تتجاوز هذه المدة إلا لأسباب و مبررات موضوعية.
المرحلة الثالثة – المرحلة الإنتقالية: إنّ هذه المرحلة الإنتقالية يتعين أن تقوم و يجب أن تستند على شرعية شعبية و مشروعية قانونية بأن تسيّر بموجب دستور مؤقت و مستفتى عليه من قبل الشعب و تدار من قبل برلمان منتخب من قبل الشعب الجزائري.
مؤسسات المرحلة الإنتقالية: وتشمل:
أولا- البرلمان: و هو أعلى سلطة في هذه المرحلة. و يتولى سلطة التشريع و التعيين في المناصب العليا في الدولة أو المصادقة عليها. و ربحا للوقت و الجهد و المال، فإنّ البرلمان هو الذي يمنح الشرعية لمؤسسات المرحلة الانتقالية عن طريق انتخاب رئيس الدولة المؤقت، المصادقة على تعيين رئيس و أعضاء الحكومة الإنتقالية، انتخاب الجمعية التأسيسية، انتخاب الهيئة الوطنية العليا المستقلة لتنظيم الانتخابات، و أخيرا تعيين أعضاء مجلس الرقابة الدستورية. كما يتولى في المجال التشريعي مراجعة جميع القوانين والتشريعات، إعادة النظر في جميع المعاهدات و الاتفاقيات التي أبرمها النظام غير الشرعي، إقرار مجموعة قوانين أساسية تهدف إلى القضاء على منظومة الفساد و الاستبداد و استئصالها نهائيا و إعادة بناء الدولة على أسس سليمة و قواعد صحيحة.
ثانيا- رئيس الدولة المؤقت: يتولى رئيس الدولة المؤقت اتخاذ قرارات متعلقة بتنظيم الحياة السياسية تقتضي حل الأحزاب و التنظيمات و الجمعيات التي تشكل القاعدة السياسية لدولة الفساد و الاستبداد وتنفيذ إجراءات العزل السياسي، و بما يكفل حرية الانتظام و تكوين الجمعيات و منظمات المجتمع المدني و البدء في تنفيذ إصلاح لمؤسسات الدولة يرتكز على دعم الشرفاء والكفاءات والخبرات و تطهير المؤسسات و الهيئات القائمة من الفاسدين، و النظر في جميع المظالم التي طالت المواطنين منذ عام 1962 بمراجعة الأحكام القضائية الجائرة و القرارات الإدارية الظالمة مع تعويض المتضررين تعويضا عادلا، و إعادة تنظيم القوات المسلحة العسكرية و الأجهزة الأمنية بما يحقق مبدأ مدنية الدولة. كما يضطلع باتخاذ كل ما من شأنه تنفيذ خارطة الطريق من حيث تنظيم انتخاب الهيئات و المؤسسات الدستورية(بعد المصادقة على الدستور الدائم للبلاد) بالتشاور مع الحكومة.
ثالثا- الحكومة الإنتقالية: و التي يتعين أن تضم كفاءات وطنية مستقلة و سياسية مقتدرة. و تتولى الحكومة الإنتقالية إدارة شؤون البلاد و سلطات تنفيذية. و في هذا الإطار تضطلع بإنجاز إصلاحات في مختلف المجالات: إصلاح سياسي، إصلاح إداري، إصلاح قضائي، إصلاح تربوي تعليمي، إصلاح اقتصادي، إصلاح إجتماعي، إصلاح ثقافي و منظومة الإعلام، إصلاح سياسة السكن و العمران و البيئة و المحيط و التهيئة العمرانية، إصلاح سياسة التجهيزات العمومية..إلخ.
رابعا- الجمعية التأسيسية: تحدد مدة انجاز عمل الجمعية التأسيسية بما يسمح لها بإنجاز مشروع دستور يليق بتطلعات و أمال الشعب الجزائري، و هذا بما يمكن من إطلاق نقاش وطني و إشراك مختلف فئات الشعب في إثراء مشروع الدستور مع إعطاء إمكانية تقديم المقترحات و الملاحظات و التعديلات. كما ينبغي أن توضع معايير لاختيار أعضاء الجمعية التأسيسية من حيث وجوب توفر الشروط العلمية و الأهلية و الكفاءة في المرشحين للعضوية فيها (أي الجمعية التأسيسية) و التي تكمن أصحابها من إعداد و صياغة دستور ذي جودة عالية. و في هذا الإطار يتعين أن ينتقى أعضاء الجمعية التأسيسية من أكادميين و أساتذة الجامعات و خبراء، علماء الشريعة و القانون، أهل الفكر و الثقافة، قضاة و محامين، نشطاء سياسيين و حقوقيين و من نشطاء نقابيين و جمعويين.
خامسا – الهيئة الوطنية العليا المستقلة لتنظيم الانتخابات: تتولى تنظيم انتخابات لجميع المؤسسات و الهيئات التي ينص عليه الدستور الجديد للدولة الجزائرية و ذلك وفقا لقانون انتخابات يصادق عليه البرلمان.
سادسا – مجلس رقابة دستورية: ينتخب أعضاء هذا المجلس من قبل البرلمان و يتولى رقابة التزام مؤسسات المرحلة الإنتقالية لأحكام الدستور المؤقت و احترام كل هيئة لاختصاصاتها و عدم تجاوزها و الفصل في النزاعات المحتملة بين مؤسسات المرحلة الانتقالية و اثبات عملية تسليم و استلام المهام بين مؤسسات المرحلة الإنتقالية و مؤسسات المنتخبة بموجب الدستور الجديد.
فضلا عما هو منوط بكل واحدة منها، تتولى مؤسسات المرحلة الإنتقالية إنجاز إصلاح شامل في جميع المجالات السياسية و الإدارية و القضائية و الإقتصادية و الإجتماعية و التعليمية و الثقافية و غيرها من المجالات يهدف إلى تهيئة الأوضاع و تأسيس الأرضية أمام الحكومات المستقبلية و تسوية مخلفات منظومة الفساد و الاستبداد و العمل على تفكيكها و تجريف النظام الاستبدادي البائد و تصفية آثاره المدمرة على العباد و البلاد و بناء نظام سياسي جديد يؤسس لدولة الحق و العدل و القانون.
مدة المرحلة الإنتقالية سنتان(02) و لا يمكن أن تتجاوزها إلاّ لأسباب و مبررات موضوعية. و هذه المدة معقولة و ضرورية بالنظر إلى ضخامة الأعمال و عظم المهام التي ينبغي بل يتعين إنجازها خلالها.
المرحلة الرابعة – مرحلة الشرعية الدستورية:
تبدأ تدريجيا بانتخاب الهيئات و المؤسسات المقررة في الدستور و تنصيبها وفق رزنامة يقرها البرلمان بعد إقرار دستور دائم للدولة الجزائرية من قبل جمعية تأسيسية منتخبة. و تتم عملية و تسليم و استلام المهام بين مؤسسات المرحلة الإنتقالية(المحدثة بموجب الإعلان الدستوري أو الدستور المؤقت) و تلك المنصوص عليها في الدستور الجديد المستفتى عليه من قبل الشعب الجزائري طبقا للأوضاع و الشكليات التي يقرره البرلمان تماشيا مع ما نص عليه الإعلان الدستوري أو الدستور المؤقت للمرحلة الإنتقالية.