بشير عمري
https://www.raialyoum.com
شكل اعتقال الناشط السياسي كريم طابو المفاجئ صدمة لمعظم الفاعلين السياسين لا سيما منهم نشطاء الحراك الثوري الرامي لكسر منظومة الحكم القديمة في الجزائر وإرساء معالم نظام جديد يؤسس لجمهورية بعضهم يعدها ثانية، والبعض الآخر يفضل نعتها بالجمهورية الجديدة، إذ أجمع الكل على أن اعتقال كريم طابو في هذا الظرف الحساس الذي تعرفه البلاد، لن يخدم مسار تطبيع المشهد السياسي سواء وفق الإرادة الواضحة للسلطة الفعلية ونعني بها السلطة العسكرية، أو وفق ما تتمناه القوى السياسية الصامتة منها والمتكلمة باحتشام وحيادية جزئية في خضم المواجهة السلمية إلى حد الساعة والحاسمة الحاصلة بين شباب الحراك الثوري التغيري والسلطة الفعلية ممثلة في قيادة أركان الجيش الوطني الشعبي.
في حين يرى الموالون لهاته السلطة الفعلية ممن يؤيد الاعتقالات التي تتم في صفوف بعض المعارضين لها، أن طابو بتصريحاته النارية المتتالية كل جمعة، واستهدافه للجيش وتهجمه عليه ومطالبته إياه بالالتزام بوظيفته الدستورية القاضية بحمية الحدود من خطر الخارج وترك حوار الداخل للسياسيين، يريد أن تبقى الساحة السياسية تموج في فوضى السجال بين أهل الحراك ومن يعارضونه من أذناب العصابة، وبين “فرقاء الأهداف” من داخل الحراك الثوري نفسه، ما قد يزج بالبلاد في أتون فوضى قد تتحول إلى مأساة أخرى شبيهة بمأساة العشرية السوداء التي حصدت أرواح الآلاف من الجزائريين والجزائريات، وهو ما لا يريده الكل بما في ذلك القوات المسلحة.
هكذا إذن، فبعد أول شخصية “حراكية” داعمة لمطلب الشباب الثائر من أجل جمهورية جديدة قاطعة مع تلك التي أسست لها “جماعة وجدة”، ونعني به الرائد السابق في جيش التحرير الوطني لخضر بورقعة، الذي اعتقل بعدما هاجم السلطة الفعلية الحالية متهما إياها بمحاولة الالتفاف على الحراك وإخفاء مرشحها للرئاسة يعيد إنتاج النظام، جاء اعتقال كريم طابو بذات الطريقة التي أعقل بها بورقعة ليتأكد للجميع أن إرادة التجديد الجارفة التي يتقد بها الشارع السياسي الجزائري مذ انفجر سيل الحراك الشعبي يوم 22 فيفري الماضي ستظل محل معارضة شرسة وقوية من بقايا النظام القديم لأن الفراغ الذي يستبطن الساحة السياسية بالبلد والخيال السياسي المعتقل منذ انتخابات 26 ديسمبر في أقبية الاستخبارات لا يسمحان بالمرور إلى المستوى المطلوب والمطالب به علنا من التغيير، طالما أنه يشمل ركائز وثوابت قيام دولة الاستقلال.
وإذا كان الرائد لخضر بورقعة معروفا بكونه من أول المنشقين عن النظام الجزائري القديم، بمعارضته المبكرة لاختطافه السلطة كلفته السجن والتعذيب في غرف الاجهزة المظلمة، فإن طابو الذي يمثل الجيل الثاني من المعارضة الجزائرية بعد ذلك الذي مارس التعددية السياسية من 1989 إلى 1996، جيل متسلح بالمعرفة مضاف إليها العمل النضالي الميداني، وهو الجيل الذي يمكن اعتباره محترف السياسة وليس هاويها، بحيث أنتج خطابا يتجاوز سياجات الأيديولوجي ويرفض المشاركة في العمليات الترقيعية للمشهد السياسي الوطني الذي تدعو إليه في كل مرة سلطة النظام القديم في الجزائر كلما استشعرت خطر الغضب الشعبي ضدها بسبب فشل برنامجها الاقتصادي المرتبط بمؤشرات سوق النفط العالمية.
طابو يحمل نقدا مزدوجا للسلطة واحد تاريخي يتعلق بشاكلة انبلاجها الانقلابي الأول سنة 1962 والثاني حاضرا متمثلا في سعيها الدائم للحجر على الوعي الجديد في الارتقاء إلى قيادة البلد والتحول به إلى ما تقتضيه شروط التاريخ في التغيير.
لكن الأهم فيما يمكن قراءته من مسار طابو وشكل شخصيته وخطابه السياسيين هو انتقاله في مراقي الوعي من مستوى رفض النظام القديم الذي يجمع الجزائريون بمختلف مشاربهم على أنه بات بشيخوخته البيولوجية وإفلاسه الإيديولوجي خطرا على البلاد، إلى رفضه لمنطق لمعارضة الكلاسيكية التي تربى فيها من خلال سابق نضاله في حزب جبهة القوى الاشتراكية الذي رأس أمانته العامة في فترة ما، قبل أن يستقيل منه بعدما شعر بأن الواقع يحتاج إلى خيال أقوى وأوسع مما استوحاه السياسي القديم في الجزائر، وأن المعارضة التي لم تستطع إنقاذ البلاد عبر الفترات النضالية الوطنية الثلاث الكبرى، فترة السرية من 1963 إلى 1989 من 1989 إلى 1996 وأخيرا من 1996 إلى يوم الجزائريين هذا، يجب عليها أن ترحل هي الأخرى وتترك مكانها لجيل يحمل معنى جديد لكيفية ممارسة المعارضة بالشكل الذي يمكنه من إزاحة نظام سياسي يطغى بفساده على الكل ويخلق المعارضة التي يحتاج.
وهذا ما يفسر عدم قبول سلطة بوتفليقة والأجهزة الرسمية التي خدمت نظامه والتي كانت عاملة على منح الاعتماد للأحزاب السياسية، منح الاعتماد لحزب الاتحاد الديمقراطي والاجتماعي الذي يرأسه كريم طابو، الحامل لرؤية قد نختلف أو نتفق معها، لكنه يظل يتمتع ببرنامج جدي ومشروع سياسي يعكسه خطاب منطقي منسجم مع واقع الحال، في وقت كان الاعتماد يمنح من قبل وزارة الداخلية التي كان يقودها الوزير الأول الحالي نور الدين بلا إشكال ولا توان لمن لا يجيدون شيئا غير إطلاق الزغاريد المدوية في حفلات السلطة وأعراسها السياسية وأفراحها الانتخابية المزورة دوما وتباعا، والتي لم تنفع النظام اليوم في ضبط المشهد السياسي وشارعه المشتعل منذ أكثر من نصف عام.
والخلاصة هي أن صدام السلطة الفعلية اليوم بكريم طابو هو استمرار لصدام النظام القديم بحركة الوعي الجديد الناشد لتغيير عال السقف خال من المواربة والالتواء والالتفاف الذي ظلت تمارسه سلطة النظام القديم للبقاء في الحكم وعدم التجدد إلا على صعيد الأشخاص دونما الأفكار والرؤى والبرامج العميقة.
وبالتالي فإن الرسالة التي ينبغي تلقفها من اعتقال المعارض القديم للنظام المجاهد في ثورة التحرير الوطنية الرائد لخضر بورقعة، والمعارض الجديد مؤسس حزب قاطع من مراحل النضال السياسي الوطني في كل فتراته ومراحله السابقة، هي أن النظام وبفعل صدمة الحراك التاريخي المفاجئ التي باغتته، أتضح أنه لا يملك رؤية للتعامل مع الواقع بموضوعية ولا أسلوب جدي وجديد في تحقيق الانتقال السياسي في الجزائر إلا ذلك الذي ظل يستعمله عقب كل هزة من الهزات السياسية الكبرى التي شهدتها البلاد مذ داس شعبها عن الأحادية وطغوى الحزب الواحد بعد أكتوبر 1988 وتجاوزها إلى الأبد في انتظار أن يفعل التعددية بالشكل الصحيح.
كاتب سياسي جزائري
1 comment
REGARDEZ LA VIDEO VERS LA 46 EM MINUTES, LE POLITOLOGUE نضال السبع DÉCLARE CLAIREMENT QUE L’ALGÉRIE FAIT PARTIE DU PLAN CIVILISATIONNEL DES EMIRAT_ARABIE, DES SOUS TRAITANTS DES SIONNISTES-USA-FRANCE.
– – – – –
https://www.aljazeera.net/programs/opposite-direction/2019/9/3/هل-فضح-قصف-القوات-الشرعية-مخططات-الإمارات-باليمن
– – – – –