الجزائر الجديدة 117
تواصل الأمة الجزائرية مسيرتها نحو استرجاع الحرية من منظومة حكم انتهت تاريخيا بسبب عجزها عن مواكبة التحولات التي يعرفها المجتمع، حيث تدخل الأمة الأسبوع القادم شهرها التاسع من التظاهر السلمي والضغط لفرض الإرادة والسيادة الشعبية في بناء الدولة والمؤسسات التي تفتح الطريق لجزائر جديدة.
تحذيرات حمروش من تقاتل العصب والشبكات..
السلطة التي تتفكك في صراعات قاتلة بين عصبها وشبكاتها، منذ سنة 2015، لم تستطع فهم واستيعاب التحذيرات التي أطلقها رئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش تجاه الرؤوس الثلاثة للسلطة انذاك، من بوتفليقة إلى محمد مدين والقايد صالح، تحذيرات كانت رسالتها المركزية كيفية تفادي تعريض الدولة والجيش والشعب لأية مخاطر، وضرورة الاتفاق على مسار منظم لتغيير منظومة الحكم التي انتهت تاريخيا.
هذه التحذيرات لم تجد – للأسف الشديد – أي آذان صاغية، فبدأ التفكك والتقاتل سنة 2015، باستخدام الآلة الدعائية الإعلامية الفاسدة من مختلف العصب والشبكات، ليتسارع هذا التفكك منذ إعلان ترشح بوتفليقة لولاية خامسة، كما أن الضغط الشعبي منذ فيفري الماضي تحول إلى ورقة تحاول كل عصبة استخدامها، وهو ما رفضه الشارع، الذي رحب باعتقال كل رموز السلطة، مطالبا المتحكمين في السلطة بتغيير شامل للنظام الذي يُنتج الفساد.
السلطة الحالية التي تتحكم فيها العصبة التي ربحت بعض المعارك في مسار الحرب لحد الآن، لا تريد تغييرا شاملا للمنظومة، وهي ترفض أي مسار انتخابي أو تأسيسي قد يؤدي إلى ذلك، وهي الآن تحاول القيام بكل شيء من أجل ضمان تجديد المنظومة بفرض اقتراع 12 ديسمبر الذي لا يلقى إلى غاية اليوم أي اهتمام فعلي، والقاسم المشترك بين أغلبية من أعلنوا عن الترشح ساندوا المسار ، هو الولاء لبوتفليقة وشبكات الفساد والولاءات الخفية.
سعداني ودبلوماسية neuilly sur seine
في خضم تسارع الأحداث وازدياد زخم الثورة الشعبية، تتخوف السلطة وتشعر بصعوبات وتحديات المرور بالقوة لاقتراع ترفضه الثورة السلمية، لذلك فهي تعمل على الصعيدين الاقتصادي والدبلوماسي لرمي بعض الأوراق بغية شراء التأييد الدولي لاقتراع مرفوض في الداخل، ولذلك فهي قد لا تتردد حتى في التحالف مع الشيطان من أجل فرض هذا الموعد الذي أصبح غاية وجودية لاستمرار عصبة من العصب المقاتلة للتحكم في قواعد اللعبة.
السلطة التي تعودت خلال السنوات العشر الماضية على شراء السلم الاجتماعي، أصبحت غير قادرة على ذلك بسبب شح الموارد وعجز الميزانية، لذلك فهي تركز أكثر على التعامل مع شبكاتها في الخارج التي سبق لها وأن استفادت في عهد بوتفليقة من مئات ملايير الدولارات في شكل مشاريع كانت المضاربة قاسمها المشترك.
وفي هذا المجال، قامت حكومة بدوي في الشهر الماضي بإلغاء قاعدة 49 / 51 بالمائة، بغية تمكين الشركات الأجنبية من تسهيلات جديدة وعلى مستويات عديدة، كما صادق مجلس الوزراء على مشروع قانون المحروقات الذي أنجزه مكتب استشارة أمريكي منذ أكثر من ثلاث سنوات باعتراف مدير الطاقة بذات الوزارة، وهما « ورقتان » الغرض منهما ينحصر في محاولة شراء السلطة الحالية لدعم خارجي لها في مواجهة الثورة الشعبية وفرض اقتراع ديسمبر القادم، بالإضافة إلى ورقة ثالثة، هي الورقة الدبلوماسية المتعلقة بملفات لها علاقة مباشرة بثوابت السياسة الخارجية.
عمار سعداني الأمين العام الأسبق لحزب جبهة التحرير الوطني ورئيس أسبق للمجلس الشعبي الوطني، تدخل منذ ثورة فيفري ثلاثة مرات ومن جريدة الكترونية تخضع للقانون الفرنسي، في كل مرة كان يخرج برسائل واضح أنها كانت متعلقة بالدفاع عن شبكة ضد شبكة التوفيق، ففي الأول دافع عن بوتفليقة إلى آخر لحظة، قبل أن يتحول إلى دور المحامي عن قائد الأركان والجيش، وهو دور أقل ما يقال عنه إنه يسيء للجيش بفعل مسار الرجل وشبهات الفساد التي تحوم حوله، وبسبب إقامته الفاخرة في باريس في Neuilly sur seine.
حوار سعداني الذي كان واضحا أنه نصا مكتوبا، تمت صياغته في شكل حوار، حمل رسائل الدفاع عن اقتراع ديسمبر وشخص قائد الأركان، بل وحمل شخصنة مباشرة لمؤسسة الجيش، فقد ربط استمرارية الجيش باستمرارية القايد صالح في قيادته، وهي أكبر إساءة للجيش ولشخص قائد الأركان وحمل رسالة واضحة مفادها الدفاع عن مغربية الصحراء الغربية، حيث قال وبصريح العبارة: « أعتبر من الناحية التاريخية، أن الصحراء مغربية وليست شيء آخر، واقتطعت من المغرب في مؤتمر برلين، وفي رأيّ أن الجزائر التي تدفع أموال كثيرة للمنظمة التي تُسمى البوليزاريو منذ أكثر من 50 سنة. دفعت ثمنًا غاليًا جدًا دون أن تقوم المنظمة بشيء أو تخرجُ من عنق الزجاجة »، حيث دافع سعداني على ضرورة تنازل الجزائر عن تأييد القضية، وهي رسالة تجعلنا نطرح أكثر من سؤال: من يقف وراء هذه الرسالة؟ هل تم ذلك بموافقة المتحكمين في السلطة اليوم؟ وهل الرسالة موجهة الخارجية الفرنسية التي تدعم الموقف المغربي ؟ أم للمخزن المغربي؟ أم للخارجية الأمريكية؟ أم للجهات الثلاث معا؟ وما هي الجهة التي يعمل لصالحها سعداني بالضبط، وما هي الأهداف التي تريد تحقيقها الآن، ولماذا اختيار سعداني بالضبط لنشر هذه الرسائل؟ وهل تحول سعداني إلى عنصر مهم في دبلوماسية الشبكات الفرنسية الجزائرية؟
الغريب في تصريحات سعداني أنها مست ملفا بقيت الجزائر تعتبره ملف تقرير للمصير، وأنها لا تتدخل فيه كطرف، وانها تخضع لكل قرارات المجموعة الدولية في هذا الملف، فهل تحضر السلطة الحالية لمقايضة ملف الصحراء الغربية وبهذا الشكل المريب من أجل شراء الصمت الدولي فيما سيأتي في الأيام القادمة من مرور بالقوة ضد الثورة السلمية؟ وهو سؤال ما كان ليطرح لولا مرور 72 ساعة عن تصريحات سعداني دون أي رد فعل رسمي أو شبه رسمي من تصريحاته! فلا الخارجية نشرت بيانا، ولا الإعلام الحكومي أو الخاص المرتبط بالسلطة؟ و لا أحزاب السلطة والمعارضة؟ ولا جمعيات السلطة ووجوهها التي كثيرا ما قامت بتخوين كل من يطرح التساؤلات حول هذا الملف أو أي ملف حول السياسة الخارجية، لأن الحديث عن السياسة الخارجية أو عن مؤسسة الجيش هو طابو من الطابوهات التي لا يمكن الحديث عنها بعقلانية، فهل يحق لسعداني ما لا يحق لغيره؟ ولصالح من يعمل سعداني بالضبط؟ وهل من المعقول أن يقيم الرجل الثالث في الدولة الجزائرية في باريس ويقول ما لا يقوله غيره ويصنف ضمن التيار الوطني؟ بل وقد يخون من ينتقده، كلها تساؤلات ملحة في واقع يظهر أن الجزائر غرقت في أزمة سببها رجال سلطة لا علاقة لهم لا بالدولة ولا بثقافة الدولة، وهو ما تتمنى الجزائر الجديدة القيام به من اجل احداث القطيعة النهائية مع مثل هذه المخلوقات السياسية.
تحرير وتصوير رضوان بوجمعة
الجزائر في 19 أكتوبر 2019