Home Chronique سمات الوعي الجديد من خلال أسئلة السياسة لما بعد موجتي الربيع العربي

سمات الوعي الجديد من خلال أسئلة السياسة لما بعد موجتي الربيع العربي

by Redaction LQA


May 30, 2023

https://www.raialyoum.com/

بشير عمري

من صلب وعي ما بعد موجتي الربيع العربي انبحس سيل آخر من الأسئلة الجديدة التي لم تكن في حاضرة في الفضاء التداولي السياسي ولا على مستويات النقاش العام في كل القطريات العربية، سواء منها ذات النخب القومية أو الوطنية أو التيارات الفكرية بكل توجهاتها الأيديولوجية، أسئلة جديدة تناطح أجوبة قديمة لا تزال تقدمها نخب حاكمة استنفدت كل أغراض ومبررات بقائها قائمة على رقاب الناس عدا أداة القمع والمنع في تناقض صارخ مع التاريخ وتحولاته.

فما هي طبيعة هاته الأسئلة الجديدة؟ وعلى أي أنقاض نهضت؟ وما الذي يمكن أن نسهم به في أفق التعيير المنشود؟

تجدر بنا أهمية الموضوع أن نشير هنا إلى واقع السياسة وأداة سيرها المثلة الديمقراطية في عالم تتقلب فيه وتعتصر المبادئ والفهوم بسبب حدة الصراع الدولي الأخذة في الاحتدام صوب الصدام بين قوى السيطرة العالمية، حيث وُجد الجميع اليوم أمام الديمقراطية التصارعية الانتقائية التي توظف بإحكام على رقعة شطرنج الصراع الدولي، عبر السكوت وغض الطرف عن انتفائها في البلدان التي تخدم بمقدراتها الطبيعية مصالح قوي الصراع الكبرى والتباكي والاحتجاج على زعم فقدانها في الدول التي طفقت تحضر بقوة في مسرح الصراع كما كان الشأن مع الانتخابات التركية الأخيرة التي حاول اعلام قوى الهيمنة الغربية أن يسيئها ويسئ إليها بقاموسه الانتقادي الانتقائي لجاهز رغبة منه في الحيلولة دون استمرار رجب طيب اردوغان في رئاسة تركيا الناهضة بذاتها والمناهضة للطامعين في السيطرة على العالم.

هاته المرحلة من عمر الديمقراطية تكاد بخطابها تغيب عن النقاش السياسي العام في القطريات العربية حتى بعد موجتي الربيع العربي الأولى والثانية، ليس لعدم الوعي بها والقدرة على استيعابها بل لتأخر أجندة النقاش فيها بسبب صلف وعتو وعناد النخب الحاكمة ومن يدعمها من مستفدي الداخل (المعارضة الصورية) والخارج (قوى الهيمنة)، حيث لا يزال النقاش بهاته البلدان يتمحور على سبل التغيير الممكنة في ظل هاته أزمة الديمقراطية على مستوى العالم واستمرار أزمة الحكم قياما واستمرار واستمراء في بلدان الربيع العربي.

بيد أن مؤشرات جديدة صارت تطفوا على السطح، سواء أكانت نتاج هبات الربيع العربي أو كانت هي من أنتجته، مؤشرات توحي بأن الوعي السياسي المعبر عنه حاليا عبر بعض النخب السياسية الجادة صار يلامس جوهر المحصور من الأسئلة الوطنية الكبرى بجرأة غير معهودة مبرزا بذلك حالة الارتقاء في السؤال ما يدفع باتجاه التفاؤل بالمستقبل.

فبعد أن كانت أسئلة السياسة محصورة أو تكاد تكون كذلك، في مجرد موضوعات الحقوق الممنوحة بقوانينها ودساتيرها، وترفع في ظل ذلك مطالب معزولة بضرورة التغيير والدمقرطة، وهي أسئلة كانت تليق حينها بظرفها الزمني الذي عرف بكونه زمن الخوف، أصبحت الأصوات تعلوا وتغلوا في خطابها متسائلة عمن يحكم حقيقة هاته القطريات المحتبسة جميعها سياسيا في لحظة استقلالها الأولى عن الاستعمار.

السؤال عن طبيعة الحكم القائم في البلدان العربية غير المرئي وغير المعروف، يعكس حالة من التحرر في الوعي الوطني هو بالإضافة إلى كونه حاجة نقدية جدية اقتضها الحال القطري العربي يمنح بها قوة دافعة لإرادة التغيير التي نادت بها موجتا الربيع العربي، فإنها وضعت أصبعها على مكمن الخطر في ظل القرارات الخطيرة التي اتخذتها بعض الأنظمة على المستوى الاقتصادي بمسارعتها للاندماج الكلي في الاقتصاد العولمي وما يشكله ذلك من خطر على السيادة الوطنية.

فجوهر سؤال الربيع العربي المتعلق بالطبيعة المتخفية أو الصورية لأنظمة الحكم، وهو ما يعبر عنه في بعض القطريات، بحكومة الظل، وفي بعضها بالدولة العميقة ولدى أخرى بالسلطة الفعلية، يكشف مدى التطابق في الشكل والجوهر لنظم هاته القطريات ويكشف بالتالي مصيرها النهائي المحتوم ويفند بالمرة مقولة الاختلاف التي كان يرفعها اعلام العار في كل هاته الاقطار كلما اقتد شعب بثورة شعب آخر، ومحاولة إقناعه بأنه ثمة خصوصية تبطل أي تفاعل واتماثل بين التجارب القطرية بغرض افشال الثورة الشعبية.

سؤال من يحكم الذي صار يتأجج في كل القطريات بعدما ظل لسنين لا ينطرح سوى في بلدان معدودة كالجزائر ومصر، ها هو اليوم يتسع ليشمل المغرب التي يندد يسارها الجدي غبر زعيمته نبيلة منيب بما أسمته تغول قوى الفساد وتغلغلها داخل مفاصل الدولة واتخاذها لقرارات اقتصادية تمس بالسيادة المغربية على مقدرات البلد ككل، ما دفع نيلة منيب إلى طرح التساؤل الصريح والمباشر “كيف وأين يتخذ حاليا القرار في البلاد” ما يغني أن تحولا جوهريا في الخطاب السياسي والوطني يرتقب أن يعرفه المغرب لاحقا خصوصا مع ما ستفرزه السياسات الاقتصادية الخطيرة المتبعة حاليا بغرض مواجهة تبعات الأزمة الاقتصادية العالمية التي أفرزتها الجائحة والتي يتضح بأن النظم السياسة العربية المتهالكة المناوئة للربيع العربي التغييري قد قررت أن يدفع ثمنها المواطن وحده دون سواه.

فإذن يبدو واضحا أن الربيع العربي عبر موجتي حراكاته القطرية، وإن لم يستطع بلوغ التغيير الجذري والكلي، بإزاحة نظم الفساد والاستبداد، فقد استطاع الارتقاء بأسئلة العمل الوطني، من مستويات ومحتويات محدودة بعموميات إلى حد السؤال الجوهري، من يحكم فعليا، أو أين وكيف يتخذ القرار الوطني؟ وهذا في حد ذاته مكسب ثوري يتوجب البناء عليه في مسرود الخطاب الوطني الجديد، وذلك في أفق استواء الوعي الوطني على عوده وقدرته على تحقيق آمال وطموحات هاته الشعوب في استعادة سادتها على مقدراتها.

كاتب جزائري

You may also like

Leave a Comment

Le Quotidien d'Algérie

Tribune de l’Algérie libre

Newsletter

Subscribe my Newsletter for new blog posts, tips & new photos. Let's stay updated!

Nouevautés

@2008 – All Right Reserved. Designed and Developed by LQA