الجزائر الجديدة 88
تعمل الجزائر الجديدة على الخروج من ثقافة كراهية الدين ودين الكراهية، وهما عاملان مهمان مكنا منظومة الحكم من الاستمرار لسنوات وسنوات، وهي المنظومة المتخصصة في استخدام كل شيء من أجل ضمان إعادة إنتاج المنظومة.
ما حدث أمس هو وجه من أوجه عودة ما يسمى بالمثقفين التنويريين وتحت معلومة كاذبة لإشغال الناس بموضوع إمام المسجد الذي قيل إنه رفض الصلاة على جثمان ضحية بريئة من ضحايا سوء التنظيم الذي عرفه حفل غنائى بالعاصمة.
الخبر الإشاعة يقول إن إمام مسجد عبد اللطيف سلطاني بالقبة رفض تأدية صلاة الجنازة على الطفلة بحجة أنها ماتت في حفل، وهي معلومة خاطئة لكنها نشرت وانتشرت، وتبناها الكثير من متاجري الحداثة، وبعد نفي الخبر عُدت لصفحات الكثير من هؤلاء « المثقفين » ووجدت منشوراتهم حول الموضوع موجودة بتعاليق نارية من طرفي النزاع في هذا الموضوع المفبرك!
حادثة أمس تُبين بوضوح التحالف بين قوى المحافظة على الوضع الراهن مع المتطفلين على الحداثة من محترفي التنظير وكراهية الدين، كما أن البعض الآخر مع نشره للنفي عاد للتأكيد أن الإمام وفي صلاة الجمعة لام الأولياء على ترك أبنائهم يذهبون إلى الحفل، في صورة توضح إصرار هؤلاء على ممارسة التضليل مع سبق الإصرار والترصد!
ما حدث أمس كان الهدف منه الإلهاء بالدرجة الأولى، فعوض توجيه النقاش حول تحديد مسؤوليات مقتل من دفع تذكرة بأكثر من 1500ودينار من أجل الاستماع لأنغام الموسيقى والتمع بها، إلى الحديث عن الموت وشعائر الدين في الدفن وعن ظهور بعبع الإسلاميين في استراتيجية تحويل مفضوحة ممن ألغوا ممارسة الإلهاء ضد الشعب كتقنية من تقنيات الدعاية.
عملية الإلهاء التي تمت أمس من منطلق كراهية الدين، أو إنتاج دين الكراهية، هي ليست جديدة بل قديمة تمتد منذ عقود من الزمن، ولعل آخرها ما تم في أواخر عهد بوتفليقة لما خلقت الصحافة المكلفة بتضليل الرأي العام موضوعا من لا شيء، حول قضية الصلاة ومنعها أو السماح بها في المدارس بقرار من الوزيرة السابقة للتربية نورية بن غبربط، وانقسمت الصحافة الخاصة بين مدافع عن بن غبريط التي وصفتها الصحافة – المعادي بعضها لبوتفليقة – بأنها حداثية تريد إصلاح المنظومة، وجزء من صحافة أخرى غالبيتها الساحقة كانت مع استمرارية بوتفليقة، وبين الخصمين كان واضحا طريق التضليل بالالهاء، باستخدام الصلاة لابعاد اهتمام الناس عن وضع البلاد الكارثي، بالصحافة المقربة من بعض عصب السلطة، والتي كانت ضد عهدة أخرى لبوتفليقة حاولت إيهام الرأي العام وباسم الحداثة أنه يمكن أن تكون هناك وزيرة رائعة وحداثية وديمقراطية ونظيفة… تحت نظام أحادي ومتخلف ومغلق وفاسد نسقيا، في حين أن وسائل الإعلام الأخرى حاولت إقناع الناس بأن بوتفليقة الذي تريده يحب الإسلام والثوابت ويدافع عنها والوزيرة التي عينها هي غير ذلك، وكل هذا يُبين أن كل هذه الوسائل الإعلامية التي غرست هذا النقاش المغلوط تخدم أجندة واضحة وهي إنتاج وإعادة إنتاج خطابات كراهية الدين أو دين الكراهية كدعامة في ممارسة الدعاية والإلهاء والتضليل، وهي استراتيجية مفضوحة الهدف منها منع بناء أي نقاش فعلي يؤدي لبروز نخب حقيقية تقطع مع مثقفي الصالونات المستفيدين من ريع السلطان من الحداثيين المتاجرين بالحداثة والإسلاميين الذين يشترون بآيات الله ثمنا قليلا.
الجزائر الجديدة ستقطع مع التضليل والإلهاء وستؤسس « إنقاذ » فكري وفلسفي عميق يخرج الحداثة والإسلام من منتجي الكراهية والتضليل.
الجزائر في 25 أوت 2019
تصوير وتحرير رضوان بوجمعة