
بقلم نجيب بلحيمر (*)
غاب كريم طابو عن الجمعة الثلاثين من الثورة السلمية لأنه في السجن، لكن الثمن الذي يدفعه الآن من حريته الشخصية لا يساوي شيئا أمام هتافات المتظاهرين في مختلف مدن البلاد الذي صرخوا بقوة « الله أكبر كريم طابو » شعار ردده الجميع على اختلاف قناعاتهم الإيديولوجية وانتماءاتهم السياسية، شعار يختصر التضامن الواسع مع ضحايا التضييق على الحريات، والإجماع على رفض الاعتقالات والاستبداد، وفوق هذا هو شعار يعلن فشل سياسة التفرقة، وعمليات التشويه التي طالت المناضلين السياسيين الذين كانوا في مقدمة المتظاهرين منذ بداية الثورة السلمية.
يقول الجزائريون اليوم بوضوح إن أولويتهم هي الحرية، وأن هدفهم هو تغيير النظام الذي وصل إلى نهايته، ومن أجل هذا الهدف وتلك الأولوية تذوب الخلافات الإيديولوجية وتؤجل التباينات في المواقف السياسية، وهكذا يجعل مشروع بناء الدولة التنوع سببا للثراء بعد أن دأب النظام الفاسد على تحويله إلى تناقضات يتلاعب بخيوطها لينصب نفسه حكما رغما عن إرادة الجميع، وهكذا يظهر الوعي الجديد الذي غرسته هذه الثورة السلمية في التمييز بين الأهم والمهم، بين ما هو استراتيجي وما هو تكتيكي، بين ما يستوجب الإجماع وما يمكن الاختلاف حوله.
سقطت الدعاية الرسمية في الجمعة الثلاثين، وظهرت عورة الإعلام المأجور بشعة، ولم تفلح حملات التخويف في ثني الجزائريين عن مواصلة مسيرة العبور إلى عصر الشعوب الحرة، وعندما كان أبناء الوطن يعبرون عن تمسكهم ببناء الجزائر الجديدة، كانت حفنة من منتحلي صفة ممثلي الشعب تجتمع في يوم جمعة من أجل تمرير مشاريع قوانين يراد لها أنت تكون أدوات لفرض سياسة الأمر الواقع، في يوم عطلة ودون نقاش يتم تمرير القوانين في مشهد يسقط كل دعاوى السعي نحو مصلحة البلاد، ويعري كل من برر هذا الخيار اللاعقلاني بالذهاب إلى انتخابات رئاسية قبل نهاية السنة، بل ويسقط كل ما بقي من مصداقية لمن سعوا إلى الحوار وشاركوا فيه وحاولوا إقناعنا بحسن نواياهم عندما رفعوا مطلب إطلاق سراح المعتقلين وهم اليوم يلتزمون الصمت أمام ما يجري من مصادرة للحريات واعتقال للناشطين السياسيين.
رد المتظاهرون بذكاء على التضليل ورفعوا شعار « والله ما نفوطي بهاذي الطريقة، جيبوا البياري وزيدو الصاعقة » رد ينسف كل الدعاية الرسمية التي تقول بأن من يعارض إجراء الانتخابات كما يريدونها هم إنما يرفضون الاحتكام إلى الصندوق، وها هو الشعار على بساطته يؤكد أن الطريقة هي المرفوضة وليست الانتخابات، أما الأدلة فتوفرها 57 سنة من تغييب الإرادة الشعبية، والتزوير الذي احترفه هذا النظام منذ أن حول الانتخابات إلى أداة لمصادرة إرادة الشعب والتلاعب بأصواته من سنة 1995 إلى يوم الناس هذا.
فشل التخويف، والتخوين، والتضليل، وجدد الجزائريون التزامهم بالمشروع الوطني الذي تحمله ثورتهم السلمية، مشروع يعضون عليه بالنواجذ لأنه يضع أسس تماسكهم كأمة، ويعزز وحدة وطنهم الذي ضحى من أجله الشهداء، وطن لا يمكن أن يبنيه من دأبوا على إقصاء كل من أحب وطنه بطريقة مختلفة، ولن يعرف مصلحته من قادوه على طريق الخراب.
لقد كانت الجمعة الثلاثين إعلانا صريحا عن قطيعة نهائية مع نظام صار يعيش على هامش المجتمع بعد أن اختار مسارا خارج التاريخ، وقد أثبتت المظاهرات التي خرجت في مختلف أنحاء الجزائر أن أسلوب الوعيد والترغيب والتضليل لم يعد يؤتي أكله لأن المجتمع ضبط نفسه على موجة الثورة السلمية التي صارت هي البوصلة الوحيدة أما ما دونها فمجرد تشويش يعبر عن يأس المصدر وبؤسه.
نجيب بلحيمر
(*) كاتب صحفي