الجزائر 132
ستبني الجزائر الجديدة سلطة قضائية مستقلة عن باقي السلطات، عندما تنجح في بناء المؤسسات ودولة الحق والقانون من قبل مجتمع مفتوح يرسخ ثقافة المساءلة والسلطات المضادة على كل المستويات.
إنتقل القضاء في الجزائر منذ الاستقلال من أدبيات الوظيفة القضائية في عهد بن بلة وبومدين، إلى الجهاز القضائي في بداية عهد الشاذلي إلى السلطة القضائية على الورق دون اقتناع في نهاية عهده، قبل تحول الخطاب الرسمي إلى استقلالية القضاء في عهد المحاكم الخاصة في التسعينيات، إلى عهد الفساد المعمم مع بوتفليقة إلى عهد تنصيب القضاة بالقوة العمومية في عهد عبد القادر بن صالح.
« الوظيفة القضائية » هي التي أعدمت محمد شعباني واعتقلت البشير الابراهيمي، وأطلقت حكم الإعدام على أيت أحمد ومحمد بوضياف وكريم بلقاسم.. وغيرهم الكثير.. وهي التي قمعت كل المعارضين في السبعينيات والثمانينيات، وهي التي استخدمت للتستر على فساد بوتفليقة عندما كان وزيرا للخارجية، وهي التي استخدمت لاعتقال علي يحيى عبد النور وأحمد سحنون واعتقال المئات من المعارضين، وهي التي استخدمت لحل حزب جبهة الانقاذ، وقبلها لوضع قادة الفيس في السجن، وهي ذات الوظيفة التي أوكلت لها في التسعينيات، بفتحها للمراكز الإدارية التي شرعت للتعذيب.
في التسعينيات تم استحداث المحاكم الخاصة، التي حولت القاضي إلى « جزار »، إلى الذراع القانوني لسياسة الاستئصال التي فرضها نزار وتوفيق مدين ومحمد تواتي.. وغيرهم من أصحاب القرار، والتي ساندتها « نخب مأدلجة » باسم أن الضحايا إسلاميين وإرهابيين لا يستحقون محاكمات عادلة، ولحسن حظ الأمة كسر علي يحيى عبد النور ومحمود خليلي وعبد الحميد مهري وحسين أيت أحمد… هذا الاصطفاف ودافعوا عن ضحايا قضاء التليفون.
هذا القضاء الذي استخدمه بوتفليقة لترسيخ الإفلات من العقاب، الذي قرره العسكر باسم سياسة الوئام المدني التي أقرت العفو عن كل المجرمين، ولازالت تسكت عن التضييق القانوني ضد علي بن حاج الممنوع حتى من الصلاة، وهي السياسة كذلك التي استخدمها بوتفليقة وشبكاته في السلطة الفعلية للتستر على ملفات الفساد الثقيلة والتي يتورط فيها الكل.
بعد سقوط بوتفليقة، سيسجل التاريخ أن هذا القضاء استخدم لقمع وإسكات أحد قادة الولايةالتاريخيةالرابعة بسبب رأيه السياسي، كما استخدم لتصفية الحساسيات بين مختلف العصب والشبكات المتناحرة داخل منظومة الفساد والاستبداد، كما سيسجل التاريخ أن هذا القضاء اعتقل العشرات من المناضلين والشباب بسبب آراء سياسية ومواقف اتخذوها، كما سيسجل التاريخ أن القضاء في شهر نوفمبر استخدم القوة العمومية لتنصيب القضاة، وبأن هؤلاء هم الذين أصبحوا يؤسسون لاستخدام القضاء بتهديد الوحدة الوطنية ووحدة النسيج الاجتماعي، كيف لا والأحكام القضائية أصبحت تصدر حسب طبيعة المنطقة وطبيعة الضغوط والإملاءات، ويتابع الناس بنفس التهم، فيتم إقرار العفو في عنابة وجيجل، والسجن في العاصمة! والأغرب من كل هذا، أن حمل الراية الأمازيغية مسموح في بعض الولايات ولا يتابع من يحملها، ويعاقب عليها القانون بالسجن في ولايات أخرى ويدفع البراءة في ولايات أخرى!
ان ما يحدث هذه الأيام وباستخدام القضاء، لا يمكن إلا أن يعتبر مسارا لتفكيك الدولة من جهاز القضاء الذي من المفروض أن يدافع عن القانون وعن وحدة الشعب، وهو الذي يصدر الأحكام باسم الشعب الجزائري، وإلا ما هو التفسير الذي نعطيه لقضايا يتابع أصحابها بالمساس بالوحدة الوطنية، وكيف يمكن الحديث عن الدولة الوطنية ووحدة الأمة إذا توحدت الوقائع واختلفت الأحكام! وهو مؤشر كاف للقول بأن ما يحدث يمكن أن يوضع في خانة الانحراف عن روح القانون بل هو تهديد واضح لوحدة الأمة وثقافة الدولة.
إن ثورة الشعب تهدف لبناء جزائر جديدة واحدة وموحدة، يسودها القانون، دولة لا تتدخل كطرف في أي صراع اجتماعي أو إيديولوجي أو اقتصادي أو قانوني، بل دولة تؤسس لثقافة المساءلة والضبط، الدولة التي تحدد القواعد والأسس ليمارس المجتمع في تنوعه حرياته كلها، وهذه هي الجزائر الجديدة ورسالة أمة 22 فيفري التي ترفض بقاء منظومة دمرت الدولة، لكن من المؤكد أن هذه الأمة سوف لن تسمح لهذه السلطة بتهديد وحدتها ولا بتفكيك دولتها.
الجزائر في 12نوفمبر 2019
تصوير وتحرير رضوان بوجمعة