Nadjib Belhimer
افتتحت الثورة السلمية سنتها الثانية بجمعة للتأكيد على استمرار مسيرة تحرير المجتمع من نظام يطلق مزيدا من الإشارات على العجز عن صياغة رؤية أو تقديم بدائل وإجابات، ويغرق في مزيد من الصراعات التي تؤكد عمق الشرخ الداخلي الذي أخرجته السلمية إلى السطح ومنعت العصب من حسمه في الشارع بالعنف كما كانت تفعل في السابق.
عمدت الشرطة إلى إعادة نشر قواتها في العاصمة فخففت حضور عناصرها وشاحناتها في المسارات التقليدية بقلب العاصمة وفضلت أن تشدد الرقابة على المنافذ المؤدية إلى أعالي المدينة حيث مقر الرئاسة، وعلى الشوارع المؤدية إلى قصر الحكومة، وحتى الطريقة التي اعتمدها رجال الشرطة في استعادة السيطرة على الشوارع مع نهاية اليوم كانت تشير إلى جنوح واضح إلى التهدئة، وكانت النتيجة إسقاط كل مبررات التضييق، فخلال جمعتين لم تتأثر سلمية المظاهرات بتراجع التضييق الأمني وهو ما يعيد فضل السلمية كله إلى الشارع ويبطل تلك الإشارات إلى اختراق محتمل أطلقت بهدف زرع الشك في أوساط المتظاهرين.
فاتحة السنة الثانية جاءت أيضا لتظهر الجدل الإيديولوجي كصدى قادم من زمن ولى إلى الأبد، ففي الشارع سار علمانيون إلى جانب إسلاميين دون أي شعور بالتناقض، وتداولوا على ترديد نفس الشعارات الداعية إلى تغيير حقيقي ينهي عمليا وجود نظام سياسي هو الذي يستعمل اليوم أدواته الحزبية التقليدية لإعادة الجزائريين ثلاثة عقود إلى الوراء، ولينفخ الروح في أشباح الحرب التي أشعلها وورط فيها قسما من المجتمع، ومن باب الواد كانت صور عبد القادر حشاني تعانق صور حسين آيت أحمد وكريم طابو وعلى نفس الشعارات التقى المتظاهرون القادمون من حسيبة بن بوعلي وديدوش مراد.
تمضي مسيرة السليمة عبر كل جمعة وثلاثاء لتؤكد تبلور قوة سياسية خارج الأطر التقليدية التي صاغها النظام، ولتظهر تصميم السائرين على بناء توافق سياسي جديد عابر للإيديولوجيا ومستوعب للتحولات الجارية في المجتمع يجعل من تحرير المجتمع هدفا له بما يسمح لاحقا بإطلاق عملية بناء نظام سياسي مفتوح يستوعب التنوع وينظم ممارسة الحريات في أطر قانونية واضحة، وعلى هذا الطريق تتخلص الثورة السلمية من كثير من الانفعالات وتتجاوز القراءة الظرفية لتشكل رؤية استراتيجية تقوم على الجمع لا على التفرقة، وعلى البناء بدل الهدم، إنها البديل الذي ينقض جوهريا النظام في فلسفة تفكيره وأساليب استمراره وسيطرته على المجتمع.
الجمعة الأولى من السنة الثانية هي إعلان صريح بفشل محاولة سرقة الثورة السلمية، وتحويل 22 فيفري إلى مجرد تاريخ يضاف إلى قائمة طويلة من مناسبات تمارس فيها السلطة الفلكلور السياسي، تأتي الجمعة الرابعة والخمسون لتقول بأن 22 فيفري تاريخ يكتب يوميا، إنه كتاب لم يصل بعد إلى خاتمته، ومن يصنعون هذا التاريخ لا وقت لهم للاحتفال لأنهم مقتنعون بأن طريق التغيير ما زال طويلا وأن السلمية أكثر تجذرا من أن تهزمها مناورات سياسية أو حملات إعلامية مضللة.. السلمية تؤسس للمستقبل ولا أحد بوسعه أن يجعلها حدثا من الماضي.