Redouane Boudjema
الجزائر الجديدة 166
تابعت إجراءات جهاز القضاء في العديد من ملفات النشطاء الذين اعتقلوا السبت الماضي، وتألمت كثيرا للقمع وطريقة التعامل مع المتظاهرين السلميين، ولكن ألمي اليوم تحول إلى جرح بسبب إيداع واحد من وجوه الدفاع عن ضحايا نضال الاختفاء القسري وهو سليمان حميطوش، الذي أودع الحبس الاحتياطي بسجن الحراش، بتهمتين تقعان تحت المادتين 79 و100 من قانون العقوبات، وهما المساس بالوحدة الوطنية والتحريض على التجمهر، وهي تهم ألصقت بأغلبية المعتقلين الذين خرج بعضهم براءة بعد أشهر من الحبس الاحتياطي.
اعتقال سليمان حميطوش يختصر كل مظالم النظام الذي يحتقر الشعب، ويختصر في الوقت نفسه سلطة البوليس السياسي الذي يعرف سليمان في كل تظاهرات ونشاطات الدفاع عن ضحايا الاختطاف القسري منذ أكثر من 20 سنة، فهم الذين قرروا اعتقاله وأشاروا بذلك.
سليمان.. من ألم الاختطاف إلى ظلم الاعتقال
سليمان من مواليد 21 مارس 1979، هو ابن المرادية، رباه خاله الذي اختطف في تسعينيات القرن الماضي ولم يظهر له أثر كغيره من الاف المختطفين.. فلم يعش طفولته لأسباب عائلية، وعاش سن المراهقة وشبابه وهو يبحث عن مصير خاله المختطف رفقة والدته وبعض أفراد أسرته، وعاش طوال هذه السنوات التعنيف والاعتقال من قبل قوات الأمن، ولكن ذلك لم يضعف عزيمته، لأنه يشعر بدين كبير تجاه خاله الذي رباه بعد طلاق والديه.
عرفت سليمان وأنا في الصحافة، عرفته كما عرفت الكثير من أمهات وزوجات المختطفين، من السيدة العاقل رحمها الله التي بحثت عن ابنها طويلا وماتت محروقة رغم عدم تقدمها في السن، كما عرفت السيدة فحاصي زوجة جمال الدين فحاصي التي لازالت تسير نفسيا ابنتها التي دخلت الجامعة ولازالت لم تعرف مصير أبيها، كما عرفت السيدة وغليسي من ورقلة، والسيدة ساكر من قسنطينة، كما عرفت السيدة زينب عريبي أم الفنان المفقود الذي اختطف من البيت بحي سوريكال بباب الزوار وهو الذي كان عاشقا للرسم كما كان يعشق أمه، وعرفت حسان فرحاتي و نصبرة ديتور و خالتي فطيمة و الكثير والكثير من الأمهات اللواتي غادرن هذه الحياة دون إنصاف.
سليمان كان يحمل لي في كل مرة سلام خالتي زينب أم الفنان المفقود، لأن هذه المرأة العظيمة التي لازالت تتذكر مسيرتها مشيا على الأقدام من أزفون إلى العاصمة بعدما قصفت فرنسا الاستعمارية القرى والمداشر في نهاية خمسينيات القرن الماضي، وهي التي لازالت في كل رمضان تضع صحن ابنها وتفتح الباب وتقول قد يعود مع شهر رمضان…
سليمان يعرف غالبية أمهات وزوجات المختطفين، وهو الذي لم يعش لا الطفولة ولا المراهقة ولا شبابه، وهو الذي يستعد للاحتفال بعيد ميلاده الواحد والأربعين في سجن الحراش، وهو يعرفني جيدا كما يعرف بعض الصحفيين الذي كانوا يكتبون عن الاختطاف القسري في الوقت الذي كان فيه غالبية الصحفيين والصحفيات يتهموننا بأننا ندافع عن الإرهابيين وعائلاتهم.
سليمان لم يعرف لا الرسوم المتحركة ولا نجوم السينما والكرة ككل الأطفال والشباب، سليمان يعرف رزاق بارة وقسنطيني وفافا ولزهاري… وغيرهم من ممثلي النظام في بيروقراطية حقوق الإنسان، وبالنسبة له التاريخ توقف لما اختطف خاله، لذلك ومنذ انطلاق الحراك حضر كل المسيرات، وكنت أتابعه باستمرار، وشعرت بنوع من الراحة لأنني لاحظت أن الحراك أصبح أكبر علاج له، لأنه أصبح يشعر أن قضيته أصبحت قضية كل الجزائريين والجزائريات، هو وكل عائلات ضحايا الاختفاء القسري. لما نزل قرار إيداعه السجن، لم يفكر سليمان في نفسه، لكن كان يبكي على أمه التي قال إنه تركها مريضة، وهو يخاف أن يتحول خبر اعتقاله إلى مصدر من مصادر تعقيد مشاكلها الصحية، وإلى ألم آخر يزيد من جرح اختطاف شقيقها الذي تكفل بهما.
سليمان كان يبحث عن الحقيقة، وكان يسير من أجل جزائر جديدة لا يختطف ولا يقتل ولا يظلم فيها أحد، ظلم اعتقاله اليوم تحول إلى جرح بالنسبة لي، لأنه هو اعتقال لألم الاختطاف..
سليمان هو عنوان الطغيان من قبل نظام البوليس السياسي الذي تغول، وأصبح لا يرحم حتى أمثال سليمان الذي أصبح لسانه يتلعثم لما يتكلم من شدة الام الاختطاف الذي يبقى جرحا عميقا في تاريخ المجتمع ونقطة سوداء في تاريخ نظام فاقد للبصر والبصيرة، نظام ظالم مصر على تدمير الدولة من أجل الاستمرار في تعميق الظلم.
أعرف أن لغتي عاجزة عن وصف مسار سليمان وآلام اعتقاله، لأن الدموع غلبتني وأنا أتذكر كل السنوات التي مرت والتي جعلت هذا النظام يفرض علينا حربا ضد المدنيين ورئيسا مثل بوتفليقة قال لأمهات المختطفين، هؤلاء ليسوا في جيبي واليوم يواصل تبون الذي فرضه العسكر باعتقال من ضربتهم تلك السنوات التي تختصر ظلم وإجرام النظام الذي يعتقل حتى الالم، بما فيه الم الاختطاف…
الجزائر في 10 مارس 2020
رضوان بوجمعة