Irada 02.05.2020 19:00
دور الإعلام مهم وضروري لإرساء الضوء على دور المجتمع المدني، دعم المشاريع والمبادرت التي يتم إنجازها و نشر أفكاره وثقافته بين الجماهير، فكيف ينبغي أن تكون الصلة بين المجتمع المدني والإعلام، وكيف تبدو هذه الصورة واقعيا؟ وهل حققت تقدما إيجابيا لصالح المجتمع؟ من خلال هذه الحوار ، يحاول البروفيسور رضوان بوجمعة، أستاذ في كلية علوم الإعلام والاتصال بجامعة الجزائر و صحفي الإجابة عن بعض التساؤلات للمساهمة في إيجاد رؤية للعلاقة التي تجمع بين المجتمع المدني و وسائل الإعلام.
تحتفل الصحافة الجزائرية اليوم يعيدها العالمي، ما هو وضع وواقع حرية الصحافة و الإعلام في الجزائر ؟
من الصعب الإجابة عن هذا السؤال لأن ذلك يحتاج إلى كثير من التفاصيل التي لا يسمح بها الوقت في مثل هذه الحوارات.جزء من هذه التفاصيل له علاقة بتاريخ الظاهرة الصحفية في الجزائر(أي كيف ظهرت الصحافة مع الغزو الاستعماري سنة 1830 و علاقتها بالدعاية) ،وجزء آخر متعلق بطبيعة المنظومة الإعلامية و كيف تغيرت واجهتها دون ان تتغير في بنيتها.
ما يمكن قوله هو أن الساحة الإعلامية الجزائرية تعرف عددية إعلامية و ليست تعددية إعلامية، بمعنى أن هناك الكثير من الأجهزة الإعلامية و لكن هذه العددية لا تعكس وجود تعددية في المحتوى الاعلامي ( في النقاش و الخطاب و التوجهات و الرؤى ) ، و أن هذه العددية ترتبط بتعدد شبكات و جماعات المصالح التي تدور في فلك منظومة الحكم و لا تعكس التعددية و التنوع السياسي و الفكري و الاجتماعي و غيره الموجود في المجتمع.
كما أنه من الناحية الاقتصادية، يلاحظ أن عناوين الصحافة المكتوبة في غالبيتها الساحقة تابعة و خاضعة اقتصاديا، من حيث الطباعة و التوزيع و التمويل، وهو ما أكده وزير الاتصال في آخر خرجة إعلامية له، وهذه التبعية انتجت ناشري صحف اغتنوا من أموال الإشهار وصحفيين في اوضاع اجتماعية صعبة بل ان الكثير من الصحفيين و الصحفيات لا يتقاضون حتى اجورهم منذ اشهر معدودة.
و في هذا المجال لا بد من التوضيح ان بعد 1989 انتقل العديد من الصحفيين من نقابيين يدافعون عن الحقوق المهنية، الى ارباب عمل يملكون مجمعات إعلامية، حيث انتقل هؤلاء من حركة الصحفيين و جمعية الصحفيين إلى تشكيل جمعية للناشرين، وتم اختصار المهنة في غالب الأحيان في التسيير الاقتصادي و المالي للجهاز الإعلامي و الاستفادة من ريع الإشهار و الطباعة و التوزيع، بل و استخدام حتى نقابة الصحفيين كأداة للدفاع عن مصالح الناشرين بدل الدفاع عن المهنة و قواعدها و أخلاقياتها و عن الصحفي كمركز العمل الصحفي.
و لذلك نحن اليوم بعد 30 سنة من هذه العددية الإعلامية، على العموم أمام أجهزة إعلامية تابعة اقتصاديا إذن مرتبطة سياسيا و تحريريا، و صحفيين يعيش الكثير منهم في العوز، و لا يمكن تصور أية حرية في العوز و الفقر، و حتى نختصر يمكن القول أنه
لا توجد مؤسسات إعلامية حرة، لأنها هشة اقتصاديا، و لكن يوجد صحفيون و على قلتهم يحاولون ممارسة المهنة بعيدا عن الدعاية و التضليل، في مواجهة أرباب مؤسسات إعلامية لا يهمهم إلا الاستفادة من ريع المنظومة الإعلامية.
خلال الأزمة الصحية التي تعيشها البلاد , يلعب المجتمع المدني دور محوري و هام في تنظيم مبادرات التوعية و التضامن ، ويعتمد في أنشطته وتحقيق أهدافه على وسائل الإعلام للوصول إلى السلطة لطرح القضايا الهامة، فكيف يتعامل الإعلام مع هذه الديناميكية المجتمعية؟
من حيث الواقع لا يمكن الحديث عن وجود مجتمع مدني كقوة اقتراح و كسلطة مضادة تمارس الرقابة على الشأن العام و تساهم في رسم السياسات العامة، لأن منظومة الحكم لا تعترف بها لا كشريك و لا كقوة مضادة، خاصة و أن صناعة القرار يتم اتخاذها في الغالب خارج المؤسسات، و هذه المنظومة لا تسمح بنشأة أية قوى مضادة تمارس الرقابة على عمل المؤسسات و تشارك في رسم السياسات، لذلك فنحن أمام جمعيات، غالبيتها تؤدي ما يشبه عمل المنظمات الجماهيرية في عهد الحزب الواحد، و القليل منها يحاول المقاومة بتأدية بعص الأدوار دون أن يتورط في الولاء للأشخاص و في تأييد ما هو قائم.
و لذلك فإن حملات التضامن و التوعية و التكافل التي تقوم بها الجمعيات، لا تخرج عن هذا النطاق للأسف، و لهذا نلاحظ أن أجهزة الاعلام في غالبيتها الساحقة تربط بين هذه الدينامكية و أجندا الدعاية للسلطة و لبعض الأشخاص في السلطة أو حول السلطة، و تقوم بمقاطعة النشاطات الأخرى، وهو تعامل يسيء لمهنة الصحافة كما أنه لن يحسن من صورة السلطة و لا من الصورة المدركة لدى الجمهور عن رجال السلطة.
فالحدث في القيم الإخبارية لعمل أجهزة الاعلام في غالب الأحيان ليس ما يتم في المجتمع و لكن تصريحات و قرارات السلطة و ربطها بحملات التضامن و التكافل و التوعية، ففي معظم الأوقات تعمل هذه الأجهزة في بنائها الإعلامي على ترميز الرسالة الإعلامية وفق ما يقره الخطاب الرسمي، وهو ما يجعلها تؤدي عمل الدعاية و التواصل عوض عمل الاخبار و الاعلام.
تساهم وسائل الاتصال والإعلام في التأثير على المجتمع ونشر الوعي الاجتماعي ،السياسي، الثقافي و الديمقراطي وتعتبر منبرا للحوار والنقاش ، فما هي نسبة حضور فاعلي و رواد المجتمع المدني في البرامج الجادة عبر قنوات التلفزيون الجزائرية و مدى تاثيرهم على المواضيع الإجتماعية الاقتصادية والسياسية ؟
ما يظهر على القنوات التلفزيونية في الجزائر من جمعيات لا يخرج عن نطاق التأييد المطلق للوضع الراهن، لذلك فإن مقياس ظهور هذه الجمعيات أو تلك مرتبط بمقياس القرب و الابتعاد، بمعنى أن دعوة الجمعيات المدنية مرتبط بخطابها ومدى ولائها للسلطة و لرجال السلطة، كما أن هذه الحصص لا تخرج للأسف عن البنية الدعائية للعمل التلفزيوني في الجزائر، و هي بنية مضرة بالصحافة و السلطة ومدمرة للدولة، و هي تهدد على المدى المتوسط و الطويل أركان الدولة، من حيث أن الجمهور يواصل مقاطعته لهذه القنوات التلفزيونية و يذهب لفضاءات إعلامية أخرى لبناء رأي حول الأحداث، وهو أمر يجب الانتباه له لأن غلق الفضاء الإعلامي و اختصاره في الدعاية هو ضرر مطلق، لأنه يهدم مهنة الصحافة و لا يخدم السلطة و يضر بمصالح الدولة و المجتمع.
و يمكن في هذا المجال العودة إلى إدراج ما يمكن تسميته بالقوائم السوداء للذين لا يمكن دعوتهم من قبل وسائل الاعلام، و يمكن في هذا المجال العودة إلى تعليمة مدير القناة الثالثة للإذاعة الجزائرية مؤخرا، و الذي طالب الصحفيين بعرض مسبق للأسماء التي تستضاف حتى من الخبراء و الباحثين، وهو دليل على أن هذا الغلق نسقي تمارسه حتى أجهزة إعلام عمومية يرغمها القانون على آداء الخدمة العمومية خاصة و هي تمول من المال العام.
أمام هذا الفجوة و في ظل الانتشار الأفقي للإعلام الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي، هل ينبغي على المجتمع المدني تطوير أدوات ومشاريع إعلامية وجمعوية بديلة؟ و كيف يمكن لمنظمات المجتمع المدني استخدام هذه الوسائل لتعزيز مشاركة و تفاعل المواطن؟
تسمح التكنولوجيات الجديدة للاتصال و مختلف التطبيقات الرقمية على الواب لمختلف الجمعيات بصياغة استراتيجيات تواصل اتجاه المجتمع و مختلف مؤسساته، كما يمكن لهذه الجمعيات أن تستهدف حتى الصحفيين، لكن هذا لا يمكن أن يتم دون تحسين الهياكل القاعدية للولوج للأنترنت في الجزائر و تخفيض تكاليف الولوج للشبكة التي تبقى مرتفعة بالمقارنة مع معدل الدخل الفردي، كما أن ذلك لا يمكن ان يتحقق دون الاعتراف بهذه الجمعيات كشريك في صناعة القرار و صياغة السياسات العامة و في الرقابة على أداء المؤسسات، وهو ما يجعل المواطن يتفاعل و بشارك في الحياة العامة.
ما هي في رأيكم سبل تحسين أداء ودور المجتمع المدني في وسائل الإعلام وتعزير حرية التعبير في الجزائر؟
لا يمكن أن يحدث ذلك إلا بتحرر الممارسة الإعلامية من الدعاية، كما أن ذلك لا يمكن أن يكون دون تغيير بنيوي في ممارسة السياسة و في تسيير الشأن العام، و كل ذلك يتم من خلال ظهور مراصد و جمعيات مدنية تمارس الضبط الإعلامي المدني، و تسائل الصحفي حول مدى تقيده بأخلاقيات المهنة و قواعدها، مع تحرير الصحفي من كل القيود و من حالة العوز التي يعيشها، و قبل هذا و ذاك
لا يمكن التقدم خطوة واحدة إلى الأمام دون الاعتراف للفرد بحقه في بناء مجتمع مفتوح يسمح له بالمشاركة و بحرية التعبير و بالحق في الاختلاف و التنوع بعيدا عن خطابات التخويف و التخوين و إرادة التطويع وفق نموذج أحادي أصبح يشكل خطرا حقيقيا على وحدة النسيج الاجتماعي.