بشير عمري
31/08/2020 alsiasi.com
في احدى فيديوهاته على قناته باليوتيوب أنكر الكاتب الصحفي المنفي هشام عبود على الرئيس الجزائري المخلوع عبد العزيز بوتفايقة تقليده للاعب الفرنسي ذي الأصول الجزائرية زين الدين زيدان وسام “الاستحقاق الوطني” متسائلا ماذا قدم هذا الفرنسي للجزائر حتى يستحق واسام استحقاقها؟ تساؤل مشروع ويحيل على استفهامات عدة متعلقة بسلطة منح الاستحقاق الرمزي كما المادي التي تستند كما هو حال وطبيعة السسياسة والحكم في الجزائر على على منطق القوة دون قوة المنطق أو الشرعية، ومثل الاستحقاق الرمزي الوطني المجاني الذي يوزع على هوى الحاكم، ثمة استحقاق رمزي يستعمل في معركة السياسة على مسرح السلطة الرمزية الرابعة ألا وهي الاعلام، الذي صيرته تقاليد الحكم في الجزائر وتقلباته في ظلمة ساحة الصراع الداخلي المغلقة إلى أداة إعدام أو إعلاء لقيمة أي شخصية بحسب مقتضيات الظروف، وافرازات المعركة الداخلية تلك، إذ تمنحه القدح المعلى من الوطنية ثم لا تتردد في نزعه منه ونزلاه موطئ الحضيض إن اختل توازنه ووقع في ساحة العراك السياسي.
البارحة كان قائد أركان الجيش الراحل أحمد قايد صالح قائدا لمعركة الوطنيين ضد عملاء الاستعمار في قيادة دفة الثورة الشعبية الحراكية ضد نظام لم يفسد غيره من أجيال الحكم في تاريخ الجزائر كما أفسد هو، وعملت صحف وقنوات على ترسيخ القيادة “الحكيمة” تلك وجعلها خطا سياسيا داخل الحراك سحروا به عيون وعقول الكثير من بسطاء البصيرة الذين لا يزالون ينظرون بعيون الوطنية الأولى للاحداث، تلك الوطنية التي قهر بها الشعب الاستعمار والتي لم تتغدى بسبب المصادرة الشاملة للعقول وللتاريخ، بوعي جديد يمكنها من القدرة على قهر الاستدمار الذي اعقب ذلك الاستعمار وكان اشد فتكا بالذات الجزائري، ولا أدل على ذلك من ذُل رؤية الشباب يهرب عبر قوارب الموت إلى أرض الاستعمار الأول.
وها هو اليوم الزعيم الوطني “المرافق للثورة” وليس رفيقا فيها كما هو معهود في مفردات وأدبيات اليسار الثوري قاعدة الوطنية الأولى و ايديولوجية ثورة التحرير حتى، يستحيل فجأة إلى رقم في عداد قائمة الفساد والمفسدين، من قلده وسام الاستحقاق الوطني الأول اعلاميا ومن نزعه منه في مهلة لم تتعدى بعد قلق الحراك المائج حتى الآن؟
صحيفة الوطن الفرانكفونية (كما كل الصحف) التي خفت صوتها طيلة أيام الحراك حين كان الشعب يسدد الضربات الموجعة لقلاع الفساد الذي كانت هي أيضا من أكبر المتغذين منه وعليه، بفضل الاشهار الذي تسيطر عليه الدولة العميقة، ضربات شقت سلطة الفساد نصفين راح يأكل بعضهما الاخر حتى إذا مانتصر طرف “الزعيم الوطني” طأطأت أصوات الاعتراض من الاعلام الذي لا يمضي ولا يمشي
سوى مع “الواقف” ولو اقتضى الحال التضحية بالمبأ والضمير والدوس على الصديق أو الرفيق أو الرزيق “الواقع” على أرضية المعركة.
مسعى تعرية “الزعيم الوطني” من خلال فتح ملفات فساد أسرته بانتظار التحقيق القضائي مع ابنائه، تعطي دلالة واضحة على أن الثورة كمفهوم وقناعة رسخها النضال الوطني قد استحالت بفعل ممارسة السلطة طيلة عقود إلى ثروة كمعطى تأسيسي للسلطة وشاكلة سريانها وجريانها لا أكثر ولا أقل، تماشيا ومنطق الغنيمة الذي أخذ او اغتصب الحكم بموجبه عشية الاستقلال.
هذا ما يدفع إلى ضرورة الاقتناع بلزوم الانتقال في الخطاب الوطني من مفردات الوطنية الأولة إلى واقع تطورها الحاصل، وإلا سنظل نتقدس ونقدس الوهم ولا نصل مطلقا إلى الاندراج الفعلي والواقعي في التاريخ.
فها هو الحراك اليوم يكشف انحراف الاعلام الجزائري في نمط معالجته لواقع الامة، معالجة تنأى كلية عن خصوصية المهنة، سعيا خلف تلاتوزاق ولو بالنفاق على حساب مصير الحقيقة والوطن، اليوم نعيش أزمة وطن تُتستعمل فيها “الوطنية” كأدة للبناء على المعلوم الذي سيكون كذلك بعد إذ يبرح الزعيم ونظامه نطاق المجهول، وهو يتمخض في أعنق الغرف المظلمة للسلطة.
سقط إذا الاعلام على يد الحراك مثلما أسقط السلطة البوتفليقية قبل أن يحرف هذا الاعلام الحقيقة عن موضعها ويجعل للحراك زعيما خارج الطبيعة الثورية وقانونها (المرافقة للثورة) التي لم يُسمع بمثلها في البلاد!
واليوم اتضح أن الحراك الثوري هو فعلا ثورة لتجديد ليس فقط السلوكات بل المفاهيم التي حرفت الممارسات السياسية والسلطوية بناءها ودلالتها الوظيفية وجعلت من الاعلام بوقا لدعاية ومصدرا للارتزاق، وجعلت من السياسة سلما للارتقاء الحيواني المخل بقوانين التطةر التاريخي، حتى رأينا كيف أن حزبا أسسته عقول مشهودة في الفكر الثوري يرأسه عازف دربوكة ويصبح الرجل الثالث في الدولة (رئيس للبرلمان) يقود دكاترة واساتذة تنحطوا إلى الحضيض بانسياقهم وراء الامتياز المادي على مبدأ الفكرة والمسئولية.
الحراك ثورة للتأسيس للاعلام جديد قائم على المهنية والاحترافية الصرقة على حيوانية سباق الارتزاق تجاه عشب الاشهار تحت تةوجيهات عصا راعي الاشهار أو الموكول له ذلك الأمر، كما هو (الحراك) ثور للتأسيس لفضاء سياسي جديد يجب القديم ويردمه في سحيق ارض الترجبة المرة التي مرغت التعددية والانتقال السياسي في وحل الفساد وأعاقت تطور المجتمع، وطالما أن للحراك هكذا مهمة وهكذا مسئولية يطلع بها فقد اتضح للكل أن الجمهورية الجديدة لا تزال في جهة المعارضة التي يمثلها الحراك الثوري الشعبي ولا طرف سواه.
بشير عمري
كاتب صحفي جزائري