Redouane Boudjema
الجزائر الجديدة
188 تمر اليوم سنة كاملة على اقتراع 12 ديسمبر 2019، الذي أعلن عن تاريخ تنظيمه قائد الأركان الراحل أحمد قايد صالح، رغم أنه لا يملك لا الصفة القانونية ولا الدستورية ولا السياسبة للقيام بذلك، لكنه كان يملك حقيقة السلطة التي لم تتغير طبيعتها منذ الانقلاب على الحكومة المؤقتة في صيف 62.
فرض هذا الاقتراع في جو من القمع والتخوين والتضليل، جو وصل إلى درجة ممارسة الكراهية من قبل أجهزة البروباغندا بما فيها القنوات العمومية، بصناعة عدو يسمى « الزواف »، عدو قيل إنه من أذناب فرنسا، وقسمت الجزائر بين وطنيين مخلصين ذهبوا للاقتراع، وجزائريين متعاونين مع الخارج أو مغرر بهم رفضوا مسار السلطة الذي كان يريد حل مشكل النظام عوض حل مشاكل الجزائر. في هذا الجو المشحون الذي تحولت فيه كل أجهزة الإعلام إلى أدوات لممارسة الحرب النفسية ضد الشعب، ورغم خروج الملايين يوم الاقتراع للتنديد بهذا المرور بالقوة، إلا أن السلطة عملت على حجب الواقع واكتفت بعمل دعائي كاذب على المواقع والقنوات، عنوانه هاشتاغ « الجزائر تنتخب »، وفي اليوم الموالي « الجزائر تنتصر »!
هذا الاقتراع الذي فرض في جو أقل ما يقال عنه أنه » باتولوجي »، بعد حملة انتخابية كان المرشحون فيها يهربون من الناخبين. خمسة مرشحين يهددون الوحدة الترابية.. كل المترشحين الخمسة المتشدقين بالوطنية في خطاباتهم، تمكنوا من إنجاز سياسي ما كان لفرحات مهني ولا أية قوة أجنبية معادية للجزائر أن تقوم به، ولو صرفوا الملايير من العتاد، ولو جندوا مئات الآلاف من الجنود، لكن حققه هؤلاء بالمساهمة في العزل السياسي والجغرافي لمنطقة بأكملها، فالتاريخ سيسجل أن هؤلاء المترشحين لم يفعلوا ولم يفكروا أصلا في تنظيم الحملة بالمنطقة ولا حتى التفكير في دخوله، كأنها خارج الجغرافيا الوطنية! وهي جريمة سياسية مكتملة الأركان ترقى للخيانة العظمى، فقد كانت فعلا سياسيا من جنس تهديد الوحدة الترابية ووحدة النسيج الاجتماعي وهي أكبر جريمة ستلتصق بهذا الاقتراع إلى يوم الدين.فلماذا لم يفكر هؤلاء في تنظيم الحملة بتيزي وزو أو بجاية أو غيرها من القرى والمداشر، رغم أن رفض الاقتراع كان موجودا على المستوى الوطني؟
هذه الفاحشة السياسية لعزل منطقة بعينها ستبقى وصمة عار في جبين كل من عمل على فرض اقتراع لم يحل أي مشكل، بل وزاد في تعقيد مشاكل الجزائر داخليا وخارجيا، وعمل على زرع بذور الفرقة والتفرقة بشكل نسقي، كما أنه زاد في تعقيد المشاكل الداخلية لنظام الحكم. موظف سياسي في القصر الرئاسي دون رؤية ولا استراتيجيةتمر اليوم سنة من فرض تبون في القصر الرئاسي، وهو الموظف السياسي الذي عاش كل حياته في الوظيفة العمومية، والذي لم يسبق له وأن ترشح لأية انتخابات في كل حياته داخل صالونات النظام، تم فرض تبون في المرادية بشكل عنيف عنوانه « الجزائر تنتصر »، على من؟! على شعبها الرافض لمنظومة التعيين التي تفرض الرؤساء، أم على مجتمع دخل في ديناميكية لاستعادة القرار لتقرير مصيره وفرض سيادته المغتصبة ممن فرضوا كل الرؤساء منذ الاستقلال إلى اليوم، ولكن أكبر جريمة ارتكبت في هذا الجو هو تقسيم الجزائريين بين وطنيين انتخبوا وغير وطنيين من أذناب فرنسا تحركهم دوائر أجنبية وغيرها من خطابات الكراهية التي تحتاج إلى وقفة لكشف غياب الحد الأدنى من ثقافة الدولة ومنطق السياسة ممن يتحكمون في صناعة القرار.سياسة القوة هذه أنتجت رئيسا ضعيفا أمام الأجهزة التي عينته، ولا يملك الحد الأدنى من المصداقية والشرعية والمشروعية أمام الشعب، ولكل ذلك لا يمكن أن يكون لكلامه تأثير وزن بعوضة على الصعيد الدولي، وهو اليوم أضعف بكثير لأنه في حكم الميت سياسيا بسبب وضعه الصحي وغيابه عن الساحة بما يقارب 60 يوما (آخر ظهور له يوم 15 أكتوبر).
أمراض منظومة الحكم أكبر من مرض الرئيس الطريقة التي تسير بها السلطة الوضع الصحي لمقيم قصر المرادية، تبين حالة الترهل والرداءة التي عششت على كل المستويات، كما تظهر أن السلطات الألمانية والعديد من الدوائر الدبلوماسية الأجنبية تكون أعلم بالوضع الصحي لتبون من كبار إطارات الدولة! والمؤشرات كثيرة على ذلك، لكن الأخطر والأهم ليس مرض الرئيس وإنما أمراض منظومة الحكم أهم بكثير، لأن أمراض منظومة الحكم التي أنتجت الفساد والاستبداد والاستعباد أصبحت اليوم تهدد البلد في جغرافيته وفي وجوده واستمراريته ككيان سياسي وقانوني، وهي الأمراض التي أوصلت الدبلوماسية الجزائرية لتكون عاجزة عن تحرير بيان للرد عما يدور حولنا من مسارات التطبيع والتطويع بعد أكثر من 72 ساعة من تغريدة ترامب، والتي حولت الخارجية قبل ذلك إلى ناطق رسمي باسم المصالح القنصلية الإمارتية لنفي إشاعة رفض تأشيرات دخول الأراضي الإماراتية على الجزائريين والجزائريات، كما أن هذه الأمراض هي التي تجعل رئيسي عرفتي البرلمان يصرحان منذ أكثر من 20 يوما أن تبون سيعود قريبا، وهي الأمراض التي تجعل عمار بلحيمر يعتقد أن تسيير الصحافة الإلكترونية يمكن أن يتم بالغلق الذي كان يمارس على الصحافة المكتوبة في القرن التاسع عشر!
ويمكن صياغة الآلاف من الأمثلة التي قد تكون محبطة للقارئ، لذلك نتحاشى ذكرها، لأن الجزائر بحاجة إلى أمل والأمل هو الشعب الجزائري الذي أنقذ الدولة يوم 22 فيفري 2019 من جنون العهدة الخامسة، وهو الذي ينقذها من انتحاريي ديسمبر 2019 الذين أوصلوا البلد إلى وضع أخطر بكثير من وضع 21 فيفري 2019، وهو الشعب الذي سيقلب صفحة هذه السنة التي يمكن اعتبارها في خانة العبث السياسي والدستوري الذي يمارسه موظفو السياسة من رجال سلطة لا يملكون الحد الأدنى من ثقافة الدولة.
الجزائر في 12 ديسمبر 2020
رضوان بوجمعة