Nadjib Belhimer

كالعادة جاء الرد سريعا على إعلان السلطة عن الهيئة التي ستشرف على الحوار الذي حدد بن صالح موضوعه الأوحد واختارت السلطة من يتولى الإشراف عليه وبعدها تقول بأنها لن تشارك فيه، والرد جاء من الشارع واضحا « ماكاش حوار مع العصابات ».
الجمعة الثالثة والعشرون من الثورة السلمية كرست الفصل بين ساحتين، ساحة رسمت حدودها السلطة وحددت من يلعب فيها وضمن القواعد التي وضعتها، والساحة الأخرى فسيحة ممتدة عبر مختلف أرجاء الوطن وهي مفتوحة للجميع، يحتلها المتظاهرون المؤمنون بأن مصيرهم صار بأيديهم وأن الثورة السلمية سلاحهم الأمضى لإحباط كل المناورات التي تريد اغتيال حلمهم في بناء دول الحق والقانون.
عشية هذه الجمعة كشفت السلطة عن الوجوه التي ستتولى الإشراف على المونولوغ، وفي صباحها كان الرد جاهزا وبشعارات أعدت خصيصا للمناسبة، ولم يختلف الرد من مدينة إلى أخرى، وقد حاول بعض الذين أغوتهم فكرة الحوار بالطريقة التي طرحتها السلطة أن يتسلحوا بالشجاعة ويدافعوا عن خيارهم لكن الأمر لم يكن سهلا، وفي العاصمة سمع اسماعيل لالماس رأي الجزائريين في الخطوة التي أقدم عليها فذهب أبعد مما يقتضيه المنطق عندما أعلن انه لن يتحاور مع بن صالح وكأنه يريد أن يسوق فكرة أن السلطة لن تكون طرفا في الحوار لكن هيهات.
أما الجماعة الأخرى فقد اختارت الاحتماء بالشارع بعد أن شعرت بأن الجمعة ستجرف كل من يختار السير ضد التيار وذلك ما حدث، وعلى شاشات التلفزيون اكتشف الجزائريون أن بن جلول الذي كان يستعد لاصطحاب « المخلوقة » من تقرت إلى المدية تفاجأ بأنه مطلوب ليكون من وجوه الحوار لأن الجنوب يجب أن يكون ممثلا، والخلاصة أن الأمر يتعلق بتشكيل هيئة بمن حضر وإطلاق حوار كيفما اتفق.
وعلى الأرض ظهرت إجراءات التهدئة بلا مضمون، الشوارع محتلة من قبل الشرطة بلا مبرر، ومداخل العاصمة مغلقة بالحواجز الأمنية، ولم يكن لتشغيل الترامواي إلا معنى واحد، العاصمة للعاصميين فقط وهذه إشارة في الاتجاه المعاكس لحركة التاريخ، وروح الثورة، وحتى لادعاءات الخطاب الرسمي الحريص على الدولة ووحدة الشعب والوطن.
تجتهد السلطة في المراوغة وتحرق مزيدا من الوجوه، والخطوة التالية ستكون أكثر تعقيدا، وسيقل عدد المغامرين بالاقتراب من سلطة هي الآن تستحق ذلك الوصف الذي أطلقه عليها الجنرال محمد العماري عندما تحدث عن وضعهم في التسعينيات قائلا » لا أحد في العالم كان يريد الاقتراب منا، كنا نعامل وكأننا مصابون بالجرب ».
الثورة جاءت لتطهر الجزائر من النظام الأجرب وستبلغ هدفها طالت الطريق أو قصرت.
1 comment
هذا جزاء من لا يفكر مليا و لا زال يتوهم بأن العصابة قد اندثرت و بدخول البعض منها الحبس أو هي تحت الرقابة القضائية أنها زالت و لم يعد لها مفعول…. غلط في غلط وهذه السذاجة ليست من شيم الأحرار….