
الجزائر الجديدة 106
ستسير الجزائر الجديدة في طريق تأسيس آليات التشريع والرقابة البرلمانية، عندما تنجح الأمة في بناء مؤسسات تضمن الفصل بين السلطات وتتحول السلطة التشريعية لسلطة تمارس التشريع وتضمن فعل الرقابة على أداء السلطة التنفيذية ومدى التزامها بتطبيق القانون.
هذه اللحظة التاريخية هي التي تعمل على إحداث القطيعة مع برلمان تحول من مهمة أداء الوظيفة التشريعية في نهاية عهد بومدين والشاذلي، إلى غرفة تسجيل في عهد زروال، إلى لجنة لمناصرة المسؤول عن قصر المرادية في عهد بوتفليقة، إلى مصلحة استعجالات في عهد عبد القادر بن صالح!
« الاستعجال » هو الذي جعل نواب المجلس الشعبي الوطني وأعضاء مجلس الأمة يصادقون على قانونين في 24 ساعة، مصادقة يقول عنها وزير العدل زغماتي وهو يخاطب نواب الغرفتين: « بمصادقتكم هذه تكونون قد أمضيتم على شهادة ميلاد نظام جديد »، وهو تصريح أقل ما يقال عنه أنه غير مرتبط لا بفلسفة القانون ولا بروحه ولا بتاريخ نشأة الأنظمة السياسية والقانونية، ولا بأية دينامكية سياسية أو اجتماعية، ولا حتى بحملات التسويق السياسي، لأن ميلاد الأنظمة لا تتم في 24 ساعة، كما أن ميلاد النظام ووفاته لا علاقة له لا بفلسفة الاستعجال ولا بأعضاء غرفتي برلمان مفبرك انتخابيا وفاسد سياسيا والكثير من أعضائه في حالة تورط بشبهات فساد يحركها وزير العدل نفسه الذي شكر « الأعضاء » لمصادقتهم على هذين القانونين.
القانون الأول الخاص بالسلطة الوطنية المستقلة للانتخابات والثاني مرتبط بنظام الانتخابات، وبنص القانونين كافة الصلاحيات التي كانت موكلة للإدارة العمومية في المجال الانتخابي أعطيت لهذه السلطة التي ستشرف على العملية في كافة ربوع الوطن وخارجه، وهو ما يتعارض ويتناقض مع نص المادتين 193 و194 من دستور بوتفليقة لسنة 2016، حيث أن المادة 193 تنص على ما يلي:
المادة 193:
« تُلزم السلطات العمومية المكلفة بتنظيم الانتخابات بإحاطاتها بالشفافية والحياد.
وبهذه الصفة، توضع القائمة الانتخابية عند كل انتخاب تحت تصرف المترشحين.
يحدد القانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات كيفيات تطبيق هذا الحكم ».
فكيف يمكن لقانون عضوي أن ينزع صلاحيات تنظيم الانتخابات من السلطات العمومية دون تغيير الدستور؟ والقاعدة المؤسسة للقوانين والدساتير، تنطلق من مسلمة مفادها أن « الدستور هو أم القوانين »، كما أن المادة 194 من الدستور ذاته تتحدث عن استحداث هيئة لمراقبة الانتخابات وليس لتنظيمها، حيث تنص على ما يلي:
« تُحدث هيئة عليا مستقلة لمراقبة الانتخابات.
ترأس الهيئة شخصية وطنية يعينها رئيس الجمهورية، بعد استشارة الأحزاب السياسية.
للهيئة العليا لجنة دائمة. وتنشر الهيئة العليا أعضاءها الآخرين فور استدعاء الهيئة الانتخابية.
كما أن عضوية الهيئة محددة كذلك بهذا الشكل:
تتكون الهيئة العليا بشكل متساو من:
– قضاة يقترحهم المجلس الأعلى للقضاء، ويعينهم رئيس الجمهورية.
– وكفاءات مستقلة يتم اختيارها من ضمن المجتمع المدني، يعينها رئيس الجمهورية ».
وهو ما يتناقض مع القانونين، ثم ان تعيين أعضاء الهيئة من صلاحيات رئيس الجمهورية بنص المادة الصريح وليس رئيس دولة مؤقت، والقاعدة القانونية تحرم وتمنع الاجتهاد مع صراحة النص، « لا اجتهاد مع نص ».
فكيف سيمرر المجلس الدستوري القانونين وعلى أية فتوى دستورية سيعتمد، أم أن الحلول الدستورية التي دافع عنها قائد الأركان ورئيس الدولة ووزير العدل ولجنة كريم يونس، ستمر عبر مصلحة استعجالات دستورية قد يطلق عليها تسمية « الضرورة تبيح المحظورة »! وإنقاذ السلطة أولى من احترام الدستور، وإعادة إنتاج النظام أهم من إنقاذ الدولة واحترام الأمة.
هذا الاستعجال الذي زكاه وزير العدل، والذي شكر فيه قائد الأركان الذي بفضله – كما قال – واجهت الجزائر « المصيبة التي ألمت بها »، رغم أنه لغويا ودينيا وحتى دستوريا بحكم المادة 2 من الدستور، فإن « المصيبة هي الموت »، وهو على حق لأننا نعيش منذ 22 فيفري الماضي موت منظومة حكم، ونهضة أمة المجتمع المفتوح التي تريد أن تؤسس دولة لا تموت بموت رجال السلطة، بل دولة بمؤسسات شرعية وقوية لا تنتج الموت ولا الاستعجال، بل تفرز ديناميكية اجتماعية وسياسية تضمن إنتاج وإعادة إنتاج نخب سياسية وفعاليات اجتماعية ونخب ثقافية تقطع ايبستمولوجيا مع ممارسات الولاء والتزلف والإهانة والانتقام، وهو ما يؤدي لانتخاب برلمان يمارس الرقابة على كل الأجهزة والمؤسسات التنفيذية دون أي استثناء، لأن المال العام وأداء المؤسسات مسألة دولة ومهام رجال الدولة وليست قضية سلطة ورجال سلطة.
الجزائر في 14 سبتمبر 2019
تحرير رضوان بوجمعة