—–
هذه رسالة وجّهها مفدي زكرياء إلى المعارضة الجزائرية، ومن خلالها إلى الشعب الجزائري، في سنة 1976م، في ظروف مختلفة جعلتها صرخة في واد، غير أنّ موقفها الوطنيّ جدير بإلهام حراك الشعب الجزائريّ في هذه اللحظة التاريخيّة الفارقة من سنة 2019م، عسى أن نقدّره حقّ قدره، فنمضي جميعا متّحدين متآزرين مسالمين لتحقيق آمال الثورة الجزائريّة في استقلال الجزائر.
إنّه نداء صارخ من شاعر الثورة التحريريّة إلى أجيال الاستقلال لتحقيق ما كان يصبو إليه أجيال الحركة الوطنية والثورة التحريريّة، فيكونوا فخر الجزائر اليوم وغدا، كما كان الشهداء الأبرار فخرها في ثورتها المباركة.
—–
تحت عنوان « نداء إلى المعارضة الجزائرية »، كتب يقول :
«على ضوء البيان القيّم المحرّر بالجزائر في آخر ديسمبر 1976، والمنشور بجريدة « لومتان » تحت عنوان « من أجل الحرية والديمقراطية » * أرى من واجبي الأكيد كمكافح منذ خمسين سنة، وكمناضل حرّ غير تابع لأيّ حزب من أحزاب المعارضة، أن أتوجّه بندائي هذا إلى الوطنيّين الجزائريّين الأحرار في كلّ مكان، وإلى القائمين بالمعارضة خارج التراب الجزائريّ، لأقول لهؤلاء وأولئك: إنّ تجارب الكفاح عبر الأجيال أثبتت أنّ العمل الفرديّ الموزّع مهما كانت قيمته لا يغيّر شيئا من الأوضاع المتردية التي يفرضها الطغاة على الشعوب، وإنّ التصريحات الانفرادية لا تؤثّر أبدا في سلوك الديكتاتوريّين الجلاّدين الفاقدي الضمير.
وإنّ الكفاح المجدي يكمن في تكتيل الجهود، وحشد الطاقات الموزّعة في جبهة موحّدة حول ميثاق وطنيّ مضبوط هدفه هو تحرير الجزائر من الاستعمار الجديد، وتحرير الاستقلال من الاستغلال والمستغلّين.
وإنّ الساعة الرهيبة التي نعيشها لا تسمح لنا في الوقت الراهن أن نلوّح بالمذهبيات والأيديولوجيات، ولا أن نقترح حلاّ يساريا أو يمينيّا أو نابعا من واقع الجزائر وأصالتها، فهذه الاختيارات من حقّ الشعب، والشعب وحده بعد أن يستعيد كرامته المهدورة وحريته السليبة؛ وللشعب الجزائري رصيد وافر من تجربة ومعاناة يساعدانه على حسن الاختيار، ولأصحاب المذاهب والأيديولوجيات الحرية الكاملة آنذاك في عرض نزعاتهم وميولهم على الشعب الحرّ الطليق، وهو وحده صاحب الكلمة الفاصلة في مصيره، ولا حقّ لأيّ كان أن يفرض آراءه مسبقا على شعب علّمته المحن حسن الاختيار.
إنّ الثورة الجزائرية الأسطورية لم يكتب لها النجاح إلاّ حين صهرت جميع الأحزاب والنزعات في جبهة واحدة هدفها الوحيد تحرير الجزائر، ولا شيء غير ذلك …
[…] ولست أرى، والحالة هذه، من سبيل للخلاص غير طريقة واحدة لا ثانية لها تفرض نفسها على أحرار أرض المليون شهيد هي خلق: جبهة موحّدة داخل الجزائر وخارجها تتوفّر على مكتب دائم لتنسيق الأعمال، وتدبير خطط النجاح، مع التعهّد على ترك التلويح بالأيديولوجيات إلى ما بعد الاستقلال. وترك الكلمة للشعب على أن تسمّى هذه الجبهة: « التجمّع الشعبي لتحرير الجزائر »، أو « الجبهة الوطنية لتحرير الجزائر »، من غير أن يضاف لها أيّ نعت كالتقدّمية والديمقراطية أو الاشتراكية أو ما شابهها من الشعارات، فذلك من حقّ الشعب وحده، بعد أن يحطّم أغلاله. وبدون هذه الطريقة لا نجاح مطلقا لأيّ عمل فرديّ قد تكون نتيجته إطالة عمر الظلم والطغيان، أو المساومة على المستقبل المجهول.
فعسى أن تستجيب الضمائر النظيفة لهذا النداء الصارخ الذي أعبّر فيه عن إرادة الشعب، وأعكس فيه تجربة الأحداث السليم، وصراحة المناضل الذي لا يصبو إلى مسؤولية أو زعامة إلاّ مسؤولية ضميره الذي تعوّد أن يسمّي الأمور بأسمائها من غير التباس ولا غموض.
اللّهمّ فاشهد أنّي قد بلّغت».
——-
* يقصد به بيان القادة الاربعة : بن يوسف بن خدة، فرحات عباس ، حسين لحول و محمد خير الدين. يطالبون فيه الرئيس هواري بومدين بإجراء انتخابات ديمقراطية وفق ميثاق وطني و مجلس وطني تأسيسي.
منقول من صفحة : Témoins de L’histoire
مفدي زكرياء – 1976″نداء إلى المعارضة الجزائرية »
0