يود البعض من خلال قراءات انفعالية غير تفاعلية مع منطق الحاصل في الشارع السياسي الجزائري، إعطاء الانطباع بأن الحراك الشعبي يمضي قدما باتجاه الانحدار والاندحار بسبب عدم قدرة عقله المدبر على مجاراة مكر النظام الجزائري المسلح بخبرة العقود والسنين التي مارس فيها كل أنواع التدليس والخداع للاتفاق على حركات وانتفاضات الشعب الهادفة للتغيير، بينما تثبت الأيام أن الحراك بالعكس من هذا الادعاء يزداد قوة إن لم يكن على المستوى الكم فعلى مستوى الكيف، بمعنى أنه يترسخ كفكر ثوري دائم يقطع وعيا وايدولوجيا مع منطق دولة الاستقلال التي اغتصبها نظام جماعة وجدة سنة 1962 ودولته التي بناها على وهم وسراب في المشروع والخطاب سرعان ما بدأ يتبدد مع بداية نهاية القرن الفائت.
فلكأن القائل بقرب نهاية الحراك يغفل عن محور الفعل الثوري للحراك الذي يحمله كمشروع جوهري وأولي بل وأساسي وهو تمدين الدولة الجزائرية وبالتالي تحريرها من العسكر مثلما حررت الشعب بالعسكر البلاد من الاستعمار.
العسكرة المؤقتة لثورة التحرير تطور في فكر الحركة الوطنية
واضح أن النظام في الجزائر صار مع تصاعد مستويات الوعي السياسي لدى الشعب يفقد كثيرا من مبررات إيديولوجيته الوطنية التي أسسها على النصر العسكري الذي توج مسارات كبرى من العمل النضالي والسياسي الذي قامت رجالات الحركة الوطنية منذ بداية القرن الفارط.
فلم يعد الوهج العسكري يفتن النفسية الجزائرية المتفاخرة بماضيها الجهادي والكفاحي ضد الاستعمار، ومعها أخذ النظام يفقد أهم نقطة من نقاط مبررات بقائه على رأس الدولة في الجزائر عقدا بعد عقد سنة بعد سنة، علما بأن عسكرة السياسة في الجزائر اقتضتها ظروف تاريخية بسبب الاستعمار أين بلغ الوعي حد الاقتناع التام بأن الاستقلال لن يتأتى بالمطالب السياسية وحدها بل بالكفاح المسلح وهو ما أفضى إلى الانخراط في إطار موحد مركب للنضال الوطني سياسي من خلال جبهة التحرير الوطني وعسكري عبر جيش التحرير الوطني، لكن ديمومة هذا الإطار بوعيه المؤقت أمرض الدولة والمجتمع بسبب المفارقة القاتلة (الاستدامة في المؤقت) ونحسب أن هذا هو الإشكال الذي يحول دون تحقيق الانتقال السياسي والديمقراطي والمتسبب الأول لفساد السياسية بالمال وفساد المال بالسياسة.
عسكرة الاستقلال ونشوء الاستعمار الداخلي
إذن هي حالة من التطور أو بالأحرى التورط الذي أوقعت فيه جماعة وجدة الدولة المجتمع فيه بسبب بادرتها بالعصف بالشرعية عبر دخول عنيف من الحدود والاستيلاء بالقوة على الحكم سنة 1962 تحت مبرر استعادة الوحدة الوطنية، فهي بذلك نقلت المجتمع من عسكرة حرة وإرادية مؤتة للسياسة إلى سياسة عسكرية دائمة قاهرة مفروضة تحول دون إتمام الحرية للجزائري من مستواها العام إلى المستوى الفردي، فباسم الوحدة الوطنية والقلق التاريخي من المخاطر (المفتعلة) على الاستقلال الوطني تم التضحية بحرية الفرد وبقي بذلك المجتمع كله رهينة إرادة العسكر ومن يوظفهم من نخب وشعب عبر شراء الذمم والهمم وصناعة واجهات سياسية في المؤسسات الرسمية وعلى صعيد المعارضة بعد التحول من الأحادية إلى التعددية.
بناء العقل الوطني على ثنائية العسكري الحكم والمدني المحكوم
الثنائية العسكرية والمدنية التي بني عليها ليس فقط النظام والمجتمع بل الوعي الخاطئ لبناء دولة الاستقلال وجدت في التناقضات التي خلقها اللا مشروع الذي استدامت به جماعة وجدة في الحكم مجالا للبقاء في الحكم وتبرير ضرورة هذا البقاء، ذلك لأن المجتمع ظل بشكل متشظ في ظل حالة الفراغ الذي فُرض على العقل الوطني، يبحث عن نفسه عن آفاقه فتشكلت خصومات إيديولوجية، فكرية، عرقية ولغوية وهي التي لم يتردد النظام وأجهزته في استعمالها بكل خسة للإيقاع بحركات الشعب وانتفاضاته المطالبة بالتغيير عبر كامل أحقاب الاستقلال.
بمعنى أنه لا يزال البعض من أبناء الشعب لا يرون أساسا لضمان الوحدة غير المؤسسة العسكرية وهو ما يعطي المبرر الدائم لهاته المؤسسات للتدخل في ليس فقط في السياسة بل في الحكم.
العسكرة أخلت بالسيادة الشعبية وأخرت السياسة كنشاط حيوي في المجتمع
هكذا مسار خاطئ تسبب في مضار كبرى وخطيرة جدا لمسيرة الاستقلال ومسار البناء الوطني الذي كان يحلم به كل المجتمع الجزائري، بحيث أنقص من مستويات السيادة الشعبية على مقدرات البلد وأخل بتطور السياسة في الوعي الوطني فرديا وجماعيا.
والمجتمع الذي تغيب فيه سيادة الشعب على مقدراته وهو مجتمع قابع في قلب العبودية العصرية، ذلك لأنه بمجرد كونه جُرد من إرادته في التعبير والممارسة لحقوقه الطبيعة فقد وقع في إرادة الآخر، هذا الأخر الذي كان المستعمر الأجنبي في زمن الاحتلال الخارجي وأصبح المستعمر الداخلي في زمن الاستقلال، لا تعدو كرامته حد راتبه الشهري الذي استعمل كأداة جوهرية في مسار ذلك الاستعباد دائم له ووسيلة لضمان بقائه تحت السيطرة.
معركة تمدين السياسة خطوة باتجاه تمدين السلطة والدولة
وعندما نعود إلى الحراك الشعبي قبل أسبوع من أن يطوي سنته الأولى مذ اندلع في وجه نظام وعصاباته الخفية منها والظاهرة، السجينة الآن والطليقة، الحاكمة دوما والمترقبة، نرى ذكاء الفاعل الحراكي بشكل لافت جدا سواء على مستوى الإستراتيجية أو التكتيك الثوري، فتكتيكيا الحراكي، لا يريد بالاندفاع نحو التصعيد العنفي إعطاء مبرر القمع وإعلان حالة الطوارئ والأحكام العرفية للالتفاف على ثورته بأن ظل سليما ومحافظا على أعصابه رغم الاستفزازات بالاعتقالات والتضييقات.
أما استراتيجيا فهو لم يضع في جدول مطالبه عناصر فرعية يمكن من خلالها للنظام اخترق إرادته التغيرية والادعاء بالاستجابة لها كما فعل في فترة ما بعد أحداث أكتوبر قبل ثلاثين سنة، بل أصر على تمدين الدولة ونزع العسكرة الخفية والظاهرة عنها.
وهو، أي الحراك، إذ يستمسك بهذا المطلب وجعله الثابت الوحيد في قائمة مطالبه الكبرى، فإنما يريد أن يقول للنظام بأنه استنطق بوعيه المُسائل للتاريخ وعلم منشأ الكارثة وكيف اكتسح العسكري ربوع السياسة واستعمل الرق السياسي بأن استعبد طوعا وكرها عقول الأمة السياسية وحان الوقت لوضع حد لحالة هذا الرق السياسي باتجاه تحرير المجتمع من قبضة وإرادة العسكريين الذين أخذوا السلطة غنيمة لهم عشية الاستقلال ولا إرادة أظهروها حتى الآن للتخلي عنها مثلما لم تكن للمستعمر أي إرادة للتخلي عن الجزائري قبل نوفمبر 1954 فهل فهم النظام أن إرادة الاستعمار قد أسقطتها إرادة الشعب؟ عسى أن يتدارك خطأه الجسيم في التاريخ.
بشرى حدِّيب
صحفية جزائرية مقيمة بفرنسا
2 comments
مرحبا أيها الأصدقاء الديمقراطيون الأعزاء
لا يمكن لحالة ترك حراك لنفسه تقديم بديل اجتماعي وسياسي موثوق. في الواقع ، لا تزال الجهات الفاعلة السياسية والجهات الفاعلة في المجتمع المدني (المثقفين أو الشخصيات أو المنظمة أو غيرهم) الذين يعارضون عادة هذا النظام والذين سوف يناضلون من أجل قيام الجزائر ديمقراطية وحرة جديدة (وقد استمر هذا لفترة طويلة أقل للأسف ، على الرغم من النوايا الحسنة لبعض الناشطين في هذا المجال الذين أخلع عنهم قبعتي) ، غير قادر على تقديم منظور سياسي توافقي لثورة المواطن. هذا الموقف يجعل القوة فقط تكتسب وتستفيد من هذا الموقف المشوش. نراه كل يوم منذ 12 ديسمبر 2019!
الكل يعتقد أن لديه الحقيقة ، حلقة سليمان ، الجميع مقتنعون أن طريقته ورؤيته هي الأفضل ، في حين أن المشروع بسيط للغاية وواضح للغاية: إعادة تأسيس الدولة ومؤسساتها على أمل توجيه البلد نحو جمهورية ديمقراطية حقيقية وحرة وعادلة ، حيث تستعيد الجنسية حقوقها. فلماذا إذن ، كل ما قدمه من مثقفين وممثلينا السياسيين ومنظمات المجتمع المدني لدينا عندما يناسب المشروع الديمقراطيين الذين نحن كذلك والديمقراطية والعالم السياسي عمومًا! فقط السلطة لا تتفق مع هذا المشروع. فكيف يكون معارضو هذا النظام ، مفترسه الشره ، هذه المافيا بطيئة في تنظيم أنفسهم لإعطاء آفاق جيدة لهيرك وإخراج الجزائر من موقف خطير ومحفوف بالمخاطر؟ لا يمكننا إلا أن نستنتج أن لديه أيضًا أهدافًا سياسية حزبية أنانية بعمق بين هؤلاء « المعارضين » وأن مستقبل البلاد ليس حقًا فنجان القهوة!
ملاحظة -1: أجد أنه من الفضيحة أن يجد المثقفون أن الجهود المبذولة لمحاولة تنظيم الحراك تعتبر خطيرة مثل القوة نفسها! PS-2: هل نستحق هذا hirak ، هل هذا hirak يستحق منا؟
Bonjours chers amis démocrates
La situation d’un Hirak livré à lui-même ne peut pas offrir une alternative sociale et politique fiable. En effet, les acteurs politiques et ceux de la société civile (les intellectuels, personnalités, organisation ou autres) qui sont normalement contre ce régime et qui militerait pour une nouvelle Algérie démocratique et libre sont encore (et cela dure depuis de longs moins hélas, malgré la bonne volonté de certains militants de terrain à qui je tire mon chapeau), incapables d’offrir une perspective politique consensuelle à la révolution citoyenne. Cette situation fait que seul le pouvoir est gagnant et il profite de cette situation confuse. On le constate tous les jours depuis le 12 décembre 2019 !
Chacun croit détenir la vérité, la bague de Soleiman, chacun est convaincu que sa méthode et sa vision est la meilleure, alors que le projet est très simple et très clair : refondation de l’Etat et de ses institutions pour espérer guider le pays vers une authentique république démocratique, libre, juste, civile et où la citoyenneté reprendrait ses droits. Pourquoi alors tous ses atermoiements de nos intellectuels, de nos acteurs politiques, de nos organisations de la société civile alors que le projet arrange les démocrates que nous sommes, et aussi la démocratie et le monde politique d’une manière générale ! Il n’y a que le pouvoir qui n’est pas d’accord avec ce projet. Alors comment se fait-il que les opposants à ce système, à ses prédateurs voraces, à cette mafieux tardent-ils à s’auto organiser pour donner les bonnes perspectives au hirak et sortir l’Algérie d’une situation grave et risquée ? On ne peut que déduire qu’il a aussi chez ces « opposants » des visées politiques partisanes profondément égoïstes et que véritablement l’avenir du pays n’est pas leur tasse de café !
PS -1 : je trouve scandaleux que des intellectuels trouvent que les efforts pour tenter d’auto organiser le hirak soient considérés comme aussi dangereux que le pouvoir lui-même ! Il y a de quoi devenir fou.PS -2 : est-ce qu’on mérite ce hirak, ce hirak nous mérite-t-il ?