Redouane Boudjema
خرجة مقيم المرادية، أمس، وبعيدا عن مناقشة شكلها ومضمونها، أهم رسالة سياسية فيها للجمهور، كانت القول إن الانتخابات التشريعية ستتم بعد 3 أشهر، وإنه سيكون تنظيمها مع الانتخابات المحلية في الوقت نفسه، وهي رسالة تؤكد أن السلطة في مجملها وعلى لسان من فرضته في قصر المرادية في 12 ديسمبر 2019 ستواصل في طريق المسار الانتخابي الانتحاري الذي قاطعه أغلبية الجزائريين والجزائريات، مقاطعة قال عنها المسؤول الأول عن الجهاز التنفيذي، أمس، إنها أمر عادي ولا تدعو لأي قلق، باعتبار أنه في كل المجتمعات نسبة المسيسين – حسبه – الذين يشاركون في الانتخابات لا تتجاوز 25 بالمائة، هذه النسبة تنفيها غالبية الانتخابات في الدول المتقدمة أو المتخلفة، او الدول التي عرفت انتقالا ديمقراطيا، وهي نسبة تشبه رقم 25 مليار دولار الذي يقول إنه قيمة المداخيل الفلاحية سنويا، رقم لا يخضع لا للمنطق الاقتصادي ولا لبنية العمل الفلاحي في الجزائر الذي لا يزال يتم خارج كل الأطر الرسمية.
تصريحات تبون، أمس، توضح أن السلطة تستعد مرة أخرى للمرور بالقوة، ولا تأبه لا للمجتمع ولا لصورة البلد في الخارج، ولا للهشاشة التي ستضع فيها الجزائر وسط عواصف التغيرات الدولية.الحراك ظاهرة اجتماعية وسياسية وليست إدارية.. بعد أكثر من عامين من انطلاق الحراك الشعبي، تبين السلطة والأجهزة الحزبية القائمة أنها لم تستطع فهم هذه الظاهرة، لذلك هي مستمرة في التعامل مع المجتمع بالمنطق ذاته الذي ساد قبل 22 فيفري 2019.
السلطة تعطي كل يوم مؤشرات بأنها ستواصل تسيير الوضع بالمنطق الاداري والأمني نفسه الذي سيرت به البلاد منذ أن فرضت هذه المنظومة السياسية نفسها بمنطق الاقصاء والعنف والكراهية. الحراك الشعبي هو إعلان واضح لانهيار شامل لكل هياكل الوساطة الاجتماعية والسياسية في البلد، والتي أصبحت قديمة، هرمة ومترهلة، عاجزة عن مسايرة التحولات الاجتماعية، وهو وضع كان من المفروض فهمه على هذا النحو لبناء رؤية وتشخيص دقيق يؤدي إلى صياغة استراتيجية تمكن المجتمع من العودة إلى ممارسة السياسة، لأن ممارسة المجتمع للسياسة هو أكبر ضمان لتفادي العنف وضمان لاستمرارية الجزائر ككيان سياسي وقانوني، ولتفادي الهزات القادمة التي يرتبط بعضها بالمشاكل الاقتصادية والاجتماعية وبعضها الآخر برياح وعواصف التحولات الجيوسياسية في المنطقة المغاربية وفي العالم بوجه عام.
السلطة والأجهزة الحزبية… الحراك العدو المشترك؟ الأجهزة الحزبية الموجودة تمارس كل ما يظهرها كدعامة مرافقة لمنطق السلطة، وعوض أن تعمل على استخدام الحراك الشعبي كورقة ضغط لتوسيع فضاءات ومجالات ممارسة السياسة و إطلاق الحريات ، بتغيير قواعدها وآلياتها والتفكير في صياغة استراتيجية بناء الجسور بينها وبين الحراك والتفكير في تجديد هياكلها بالاقتراب من النخب الشابة التي أفرزها الحراك، راحت تعمل على زرع العديد من الألغام ونشر التضليل لتفكيك الحراك أو على الأقل إضعافه، وكأن قيادات الأجهزة الحزبية تعتقد أن بقاءها مرهون بزوال الحراك واستمرارية منظومة الحكم!إن التسيير الاداري والأمني للحراك منذ عامين رافقته الكثير من التصريحات والبيانات والتحركات الحزبية المقسمة تقسيما قد يذكر الدارسين بكتاب « رأس المال »، بفكرة تقسيم العمل، فجزء من هذه الأجهزة الحزبية تكفلت بمهمة التسويق لأكذوبة « الزواف » واختراق الحراك بخطابات عنصرية كان من المفروض أن تخضع لقوة القانون، وبعضها الآخر تكفل بتسيير ارتبط باستصدار بعض البيانات التي كان ظاهرها الدفاع عن الحراك وباطنها الالتفاف على مطالبه، في حين أوكلت لأجهزة حزبية أخرى مهمة تنظيم ندوة كان هدفها ربح الوقت وزرع التشكيك في ميادين الحراك، في حين كلفت أجهزة حزبية أخرى للدعاية لاقتراع رئاسي كان يتهرب منه المترشحون من الناخبين، في حملة انتخابية لم يدخل فيها اي مترشح منطقة القبائل، في تهديد واضح للوحدة الترابية للبلد، بينما اتخذت أجهزة حزبية وضع « اللا موقف » من الاقتراع الذي استدعى هيئته الناخبة قائد أركان الجيش الذي لا يملك لا الصفة القانونية ولا السياسية للقيام بذلك.
« مدنية ماشي عسكرية »… مسموم، معاد للإسلام ولأرضية الصومام! بعد فرض هذا الاقتراع، اتفقت كل الأجهزة الحزبية على بداية ضرب الحراك بمسميات عديدة، بممارسة التضليل حول بعض شعارات الحراك، أو العمل على اختصار الحراك في بعض الأشخاص أو الجهات أو الايديولوجيات…ومن بين أكثر الشعارات تعرضا للحملة، شعار « دولة مدنية ماشي عسكرية »، الذي أطلقه الحراك في أول جمعة بعد خطاب أحمد قايد صالح الذي استدعى فيه الهيئة الناخبة لاقتراع 12 ديسمبر 2019، حيث ردده الجزائريون والجزائريات في كل ربوع الجمهورية للقول بأن المسؤول الأول عن الجيش لا يملك صلاحية ممارسة السياسة من الناحية الدستورية والقانونية، ولا يملك الصفة لاستدعاء الهيئة الناخبة من ثكنة ، حيث تعرض هذا الشعار لهجمات عنيفة من قائد الأركان نفسه الذي قال إن « الشعار مسموم « ، ليتبعه كل قيادات الأجهزة الحزبية الناطقة باسم التيار الإسلامي، التي قالت إن هذا الشعار معاد للاسلام لأن الدولة المدنية المقصودة بالشعار هي الدولة العلمانية اللائكية، وآخر خرجة كانت لشخص مقيم في فرنسا وله صداقة مع شخص وزير الاتصال عمار بلحيمر، الذي يرى نفسه من منتجي الايديولوجية الديمقراطية والعلمانية في الجزائر، حيث حولت وكالة الأنباء الجزائرية منشورا له على الفايسبوك إلى مصدر إلهام سياسي على علاقة بتاريخ الجزائر، هذا الشخص الذي يحلم بالجلوس في مقعد البرلمان، قال إن الشعار ابتكرته حركة الإخوان لمعاداة حركة الضباط الأحرار، ولا علاقة له بأرضية الصومام…فمن الشعار المسموم، إلى الشعار المعادي للاسلام، إلى الشعار المعادي لأرضية الصومام، هو كلام دعائي متناقض هدفه منع أي نقاش حول طبيعة منظومة الحكم في الجزائر، أو حتى التفكير في مسار بناء دولة الحق والقانون حيث تتكرس فلسفة الفصل بين السلطات.
كل هذا وذاك يوضح بما لا يدع مجالا للشك، أن قيادات الأجهزة الحزبية اصطفت وراء ورقة طريق السلطة، وهي مستعدة للقيام بأي شيء من أجل الاستمرار في منطق ما قبل 22 فيفري 2019، لأن الأجندة الانتخابية هو ما يهم هذه الأجهزة، ولا يهمها أمر آخر، لذلك فإنه من المتوقع أن تفرض الانتخابات القادمة بالقوة كما فرضت سابقاتها، دون قراءة سياسية صحيحة للوضع الداخلي والاقليمي والدولي، وإذا ما نجحت السلطة في فرض الاقتراع المحلي والتشريعي في اليوم نفسه، من المحتمل جدا أن نشهد انتخابات يكون فيها عدد المرشحين والمرشحات أكبر بكثير من العدد الفعلي للناخبين والناخبات، حيث تسير السلطة نحو الدفع بمشاركة كل الأجهزة الحزبية مع مشاركة جزء من الوجوه المحسوبة على الحراك، مما ينذر بإيجاد مؤسسات وطنية ومحلية هجينة وضعيفة دون أي تمثيل شعبي، مؤسسات لا تقوى حتى على تسيير الحد الأدنى مما يوكل إليها، وبهذا تكون قد اكتملت صورة فرض الهشاشة والمنطق الاداري والأمني في ظاهرة سياسية كبيرة، كان من المفروض تحويلها إلى فرصة لبناء جسور التوافق لممارسة السياسة، وفرض منطق قوة السياسة عوض سياسة القوة، منطق بناء جسور التوافقات السياسية عوض بناء الجدران بين الجزائريين والجزائريات، فهل من متدبر، وهل من منصت قبل أن تسير الجزائر خطوة أخرى نحو إعادة أنتاج الفشل والجهل، خطوة قد تكون تكاليفها عالية جدا،لأن كلفة عدم التغيير اكبر بكثير من كلفة التغيير.
الجزائر في 2 مارس
2021 رضوان بوجمعة