
محفوظ بـــدروني
(نائب رئيس الجمعية الوطنية لمكافحة الفساد)
27 غشت (أوت) 2019
مقدمة:
لقد كتبت ثلاث مقالات حول الأزمة الراهنة و سبيل الخروج منها و كانت هذه المقالات معنونة كالتالي:
1- « لماذا نرفض الإنتخابات الرئاسية و الحل الدستوري »
2- « لماذا نرافع من أجل المرحلة الإنتقالية »
3- « لماذا نرافع وندافع عن الجمعية التأسيسية »
و قد كانت الردود عليها متباينة إزاءها حيث أنني لا أعني بهذا المقال الذين يشاطرونني الرأي و يوافقونني فيما طرحت و إنّما خصصته للذين لم يستوعبوا ما كتبت و لم يفهموا ما أردت أو لم يريدوا أن يفهموا طبيعة التغييرات التي أحدثها الشعب في معادلة علاقة الحاكم بالمحكوم منذ اندلاع ثورة 22 فبراير 2019.. و هؤلاء هم الذين أقدم لهم هذه التوضيحات و هذا التعقيب لعلّ و عسى أن ينقشع الضباب عن أعينهم و تذهب الغشاوة عن قلوبهم فيروا الحق حقا و الصواب صوابا فيرجعوا إليه.. فكان هذا المقال.
الردود و التوضيحات:
1°)- إنّالشعب الجزائري عندما خرج عن بكرة أبيه ذات يوم في 22 فبراير 2019 في ثورة سلمية عارمة لم يطلب ترخيصا من السلطة لأجل التظاهر و هذا إن دلّ على شيء، فإنّما يدل على رفض الشعب الجزائري للنظام القائم في جميع أسسه و مظاهره و ركائزه.. ومن ثم فلا مجال لأي عملية ترميم للعلاقة بين الطرفين (الشعب و السلطة) فقد أعلنها الشعب الجزائري قطيعة بائنة لا رجعة فيها مع نظام استبدادي، فاسد و فاشل وكل من يرمز إليه أو يدعو إليه.
2°)- يرى البعض أن سبب الأزمة يكمن في نزاهة الانتخاباتو لهذا تراهم يلهثون وراء الحلول التي يقترحها النظام و نحن نرى أن سبب الانسداد الحالي وأصل الأزمة التي تعيشها البلاد لا يكمن في نزاهة الانتخابات بل في عدم شرعية النظام منذ عام 1962.. ومن ثم نجد أن أهم الشعارات المرفوعة في مظاهرات يوم الجمعة « السلطة للشعب » و « السيادة للشعب » و التي تعني أنّه(أي الشعب) هو الذي يقرر لا أن يقرّر باسمه و هو الذي يحكم لا أن يحكم باسمه.. فقد انتهى عهد الوصاية عليه بلا رجعة فلا تعلو على إرادته أية سلطة و لا يخضع لأية وصاية من أية جهة كانت.
3°)- إنّ الشعب الجزائري عامة و الحراك خاصة قد تجاوز مطلب رحيل العصابة الحاكمة(الرئيس المؤقت و الحكومة) أو ما نعبر عنه بالوجه المدني للنظام القائم، فها هو يطالب حاليا بكل جرأة و وضوح إقامة دولة مدنية يتم من خلالها إنهاء حكم العسكر و رحيل الطغمة العسكرية الجاثمة على صدور الجزائريين منذ عام 1962 و هذا من خلال الشعارات المرفوعة كل يوم جمعة: « دولة مدنية ماشي عسكرية » و » جمهورية ماشي كازرنة » و « هذا الشعب لا يريد حكم العسكر من جديد » و التي تعني عدم تدخل الجيش و القوات المسلحة و من في حكمهما في الشأن السياسي و المجال العام و تأثيرهم على القرارات التي تخص تسيير الدولة.
4°)- الشعب و الحراك لا يرفض الانتخابات من حيث المبدأ(وإلاّ فهذا جنون) و إنما يريد أن تجرى الإنتخابات بعد رحيل نظام العصابات كل العصابات المدنية منها و العسكرية ومنعهما من أن يكون لهما يد في رسم المشهد السياسي للبلاد مستقبلا..فالشعب يرفض الانتخابات و الحل الدستوري لأنّه يرفض الدستور الساري لأنّ الدستور الحالي وضعته العصابة التي هي الأن في السجون( وقد سجنت ليس لفسادها أو لجرائمها بل فقط لأنها تأمرت على قائد الأركان و أرادت تنحيته) فكيف يراد من الشعب الاحتكام إلى دستور وضعته عصابة حكمت البلاد.. فلا يقبل الشعب أبدا أن يحكم بدستور وضع من قبل أشخاص وهيئات غير شرعية و لم يقرّه بإرادته الحرة والسيّدة.. فكيف يحتكم إليه لإجراء انتخابات أو إصلاحات؟؟؟!!!!
5°)- الشعارات الرئيسية الذي ترفع كل يوم جمعة « يتنحاوا قاع » و « مكانش انتخابات يا العصابات » تعني بالضرورة الذهاب إلى مرحلة انتقالية لا يشارك فيها من تورط الفساد والاستبداد و كان شريكا في هذا النظام من قريب أو من بعيد.. فهذه الشعارات – و التي تجسد عمليا مطالب الأساسية للشعب و الحراك – لا يمكن تحقيقها إلاّ برحيل العصابات كل العصابات المدنية منها و العسكرية وتحقيق الدولة المدنية و هذا لا يتحقق إلا بالمرور بمرحلة إنتقالية التي تعني ببساطة إسقاط النظام القائم و إنهاء حكم العسكر.
6°)- الشعب من خلال ثورته يريد هدم كل منظومة الحكم: دستور وقوانين وتشريعات(المنظومة التشريعية غير الشرعية)، هيئات وأجهزة و مؤسسات(برلمان، مجالس محلية، مجلس دستوري…) أشخاص و رموز و شخصيات(العصابات الحاكمة) و لا يتحقق ذلك إلاّ بالمرور عبر مرحلة إنتقالية التي هي إعلان وفاة النظام السياسي القائم منذ عام 1962 و التي يتم خلالها تفكيك دولة الفساد والاستبداد وتجريف مخلفات منظومة الحكم الاستبدادي وهذا بإبعاد كل من ساهم في ممارسات الحكم الظالم(حوالي نصف مليون مفسد ومجرم متورط في الفساد والاستبداد و انتهاكات حقوق الإنسان).
7°)- النظام يتمسك بالانتخابات الرئاسية لعلمه و قناعته بأنها السبيل الوحيد للاستئثار بالحكم و التمسك بالسلطة و أنها طوق نجاة بالنسبة إليه و ليست حلا لأزمة البلاد.. و من ثم فإنّه يسعى بكل ما أوتي من قوة حصر موضوع اختيار الرئيس المقبل بين يديه كما كان يفعل من قبل حتى يمكنه إدامة السيطرة على البلاد و العباد..فالعسكر يريدون إجراء انتخابات رئاسية في أقرب وقت على مقاسهم وضمن الشروط و القواعد التي يحدّدونها هم و ليس وفقا لما هو متعارف عليه عالميا في مجال إجراء انتخابات حرة و نزيهة وشفافة.. لهذا رفض العسكر الاستجابة لمطالب بسيطة قدمت للنظام كبادرة حسن نية قبل مباشرة أي حوار جدي و مسؤول.
8°)- الشعب و قواه الثائرة مصمم على افشال مخطط العسكر بكل الوسائل السلمية و المشروعة ..فقد عقد العزم على منع إجراء انتخابات مرتبة نتائجها مسبقا.. على منع إجراء مسرحية هزلية مسماة زورا و بهتانا « انتخابات رئاسية ».. و قد افشل الشعب من قبل كل مناورة حيكت ضده من قبل النظام منذ اندلاع ثورته المجيدة في 22 فبراير 2019 ومنها إجراء انتخابات رئاسية مرتين متتاليتين في 16 أبريل و 04 يوليو من العام الجاري.
9°)- لقد تعرّى النظام تماما و أصبح العسكر هم الذين يديرون زمام الأمور في البلاد و من ثم أضحوا بدون واجهة مدنية كما كان عليه الأمر من قبل، مما يسهل عملية التغيير مستقبلا، من حيث أنّهم قد فشلوا في التدليس على الشعب بأنّ العسكر لا يحكم البلاد، فها هو يقرر في كل شيء: تطبيق أحكام الدستور(المادة 102)، محاربة الفساد، تعيينات في الحكومة، خطابات سياسية من داخل الثكنات، ردود على مطالب، إلخ… لقد قضى الشعب من خلال الحراك الشعبي و الثورة السلمية على الواجهة المدنية للنظام و أصبح وجها لوجه مع الواجهة العسكرية و بالتالي اتضحت له طبيعة الصراع و سهلت عليه مواجهة التحدي الراهن الذي فرضه العسكر (وليس مع عرائس قراقوزهم) الذين يريدون استنساخ نفس النظام بوجوه جديدة- قديمة.
10°)- إنّ من يقف مع العسكر – الذين يريدون إبقاء هيمنتهم وسيطرتهم على الشعب – هو عدّو للشعب الجزائري – أيّا كانت صفته و موقعه و مساره و تاريخه – لأنّه ببساطة يقف مع الظلم و الفساد، مع الاستبداد و الاستعباد و يريد أن تستمر أوليغارشية عسكرية فاسدة و مفسدة في حكم الشعب رغما عن إرادته و ترفض انعتاق الشعب و حريته و تقرير مصيره..بل تريد و تسعى وتعمل على مواصلة هيمنتها (أي الأوليغارشية العسكرية) و وصايتها على الشعب بكل السبل و الأساليب غير المشروعة.
11°)- إنّ السيادة و السلطة و الشرعية للشعب يمنحها لمن يشاء و ينزعها عمن يشاء، فلا راد لحكمه و لا معقب لقراره فليس هناك سلطة فوقه و لا وصاية عليه من أي جهة كانت، مدنية أم عسكرية، و من ثم فقد أعلن الشعب أنّه لا و لن يرضى من الآن فصاعدا أن يحكم إلا بمن يختارهم هو لا بمن يفرضون عليه فرضا.. فقد انتهى عهد الوصاية على الشعب إلى الأبد.
في الختام أقول
و بالرغم من الأدلة القوية التي سقتها و الحجج الواضحات التي سردتها إلاّ أنّ هناك من لا يزال يتمسك بسراب الإنتخابات الرئاسية التي يريدها العسكر كحل وحيد وخيار أوحد يفرض على الشعب فرضا..وسأبين من خلال مقالات لاحقة تفصيلا للحل الذي نريد والخيار الذي نسعى لتحقيقه.. و هذه المقالات معنونة كالتالي:
- « بين المسار التأسيسي والمسار الانتخابي »
- 2- « لما فضلنا أن يكون البرلمان هو أعلى سلطة في المرحلة الإنتقالية »
- 3- « رؤيتنا في إقرار دستور دائم للدولة الجزائرية »
- 4- « شروط إدارة مرحلة إنتقالية ناجحة »
لعلّ و عسى أن نكون قدمنا رؤية واضحة لا غموض فيها و قوية لا ضعف يعتريها لمن أراد السير معنا لتحقيق مطالب الشعب و ما ذلك على اللّه بعزيز.