بقدر ما كان سفاح ليبيا وزبانيته يقاومون ثورة التغيير الشعبي هناك بقدر ما كان النظام الجزائري يقاوم من أجل أن لا تقوم قائمة للثوار وأن لا تنقلب الموازين مثلما انقلبت في تونس ومصر، حجة الرسميين الجزائريين في مواقفهم المخزية كانت حرصهم المزعوم على عدم التدخل في الشؤون الخاصة لبلد شقيق وجار، ولم يكن يهمهم طبعا أن يستمر القذافي الذي رأوا منه الويلات بل كان كل همهم أن لا تنتصر الثورة الشعبية لأن ذلك سيدفع حركة التغيير في العالم العربي إلى سرعة أكبر ولأن الجزائر التي يحكمونها بقوة الطغيان والفساد ستكون أقرب إلى الانعتاق والتحرر.
أما وقد اندحر القذافي وصار هائما على وجهه متخفيا وغير قادر على أن يواجه خصومه ولو في عقر حصنه فلم يكن للنظام الحاكم في الجزائر بعد ذلك من بد إلا أن يسلم راضخا للأمر الواقع ويعترف بأسياد ليبيا الجدد اعترافا كاملا لا يشوبه نقص ولا ريب، فقد حرص أن يستأذن من حكام ليبيا الجدد قبل أن يأوي عائلة القذافي وأن يلبي بسرعة فائقة دعوة فرنسية لحضور مؤتمر أصدقاء ليبيا الجديدة في باريس. لكن لكي يحفظ شيئا من ماء وجهه أمام من بقي يصدقه من الرأي العام المحلي فإنه حاول الحديث عن بعض الشروط قبل الاعتراف بجنود الثورة الشعبية الليبية وقبل التطبيع الكامل للعلاقات مع الحكومة الليبية الجديدة ممثلة في المجلس الانتقالي طبعا.
عندما كان القذافي يستبيح دماء شعب ليبيا لمجرد أنهم طالبوا سلميا بشيء من حريتهم وكرامتهم كان حكام الجزائر في غيبوبة من أمرهم، ثم استغلوا بسرعة فائقة قرار التدخل الدولي لحماية المدنيين ليزرعوا بأدواتهم الإعلامية في نفوس الرأي العام الجزائري فكرة التدخل الأجنبي وحتى يضمنوا استجابة واسعة لمبتغاهم صوروا كل ذلك الحراك على أنه عمل شيطاني تقوده فرنسا وما أدراك ما فرنسا القوة الاستعمارية التي يكن لها السواد الأعظم من الجزائريين كرها يوازي جرائمها أثناء التي ارتكبتها أثناء حقبة الاحتلال.
قد تكون الخدعة انطلت على بعض الجزائريين من مختلف المستويات، لكن أغلبهم يعلمون علم اليقين أن جل الحكومات المتعاقبة في الجزائر منذ الاستقلال لم تقصر في مد البساط الأحمر لكل أطياف حكومات الجمهورية الخامسة منذ أيام ديغول.
الحكومة الجزائرية تحججت عند استقبال الفارين من عائلة القذافي بالظروف الإنسانية وكأنها لا تعلم أن ظروفا أكثر إنسانية مرت بها ليبيا عندما كان السفاح القذافي يعيث في شعبه تقتيلا وتشريدا، وقتها لم يكلف النظام الجزائري نفسه عناء التحدث ولو من وراء حجاب إلى القذافي ويدعوه إلى وقف الإبادة التي توعد بها ثم انطلق فيها ضد أبناء ليبيا الأحرار، ولو وقفت الحكومة الجزائرية وزميلاتها من الجيران العرب والأفارقة موقفا حازما في بدايات الأزمة الليبية لما وصل الأمر إلى تدخل الناتو ثم البكاء على سقوط ليبيا لقمة سائغة في يد القوات الاستعمارية، مع ما في هذا الحكم من مغالطات أولها أن نفس تلك (القوات) كانت تسرح وتمرح في أرض ليبيا وتأخذ من نفطها ما شاءت في عهد القذافي. ثم إن هناك اعتبارات إنسانية قصوى تستحق من حكام الجزائر أن يحدثونا عنها ويأخذوها بعين الاعتبار إن كانت كرامة الأشقاء وحرمة أرواحهم تهمهم فعلا، كلمة حق واحدة نتمنى أن نسمعها من الرسميين أو أذنابهم في الجزائر يدعون فيها نظام عائلة الأسد في سورية إلى الكف عن ارتكاب المزيد من الفظاعات ضد شعب أعزل، لم نصل بعد إلى مرحلة الناتو والتدخل الخارجي فأسمعونا بعضا من عبارات التضامن الإنساني إن كنتم صادقين.
بعد سقوط حصن باب العزيزية والتأكد تماما أن الأمور انقلبت فعلا لصالح ثوار 17 فبراير تناقلت وسائل الإعلام تصريحات مختلفة لمسؤولين جزائريين لم تكن لهم الشجاعة ليقولوا ذلك بأفواههم وعلنا مفادها أن الحكومة الجزائرية لا ترى مانعا في الاعتراف بحكومة المجلس الوطني الانتقالي ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الليبي وقدموا لذلك بعض الشروط لعل أهمها الالتزام بمحاربة تنظيم القاعدة وأن تكون الحكومة الجديدة ممثلة لكافة أطياف المجتمع الليبي ومناطق البلد. طبعا، كان يبدو من خلال كثير من التعليقات في وسائل الإعلام المحلية في الجزائر وفي تصريحات الرسميين على قلتها والناطقين باسم النظام وما أكثرهم أن الهاجس الأكبر للجزائر من المخاض الذي أصاب ليبيا هو التهديد المحتمل على سلامة التراب الجزائري من خلال نقطتين أساسيتين هما الانتشار الفوضوي للسلاح واحتمال وصوله إلى معاقل فلول القاعدة في بلاد الساحل الإفريقي أو المغرب الإسلامي والماضي (الإرهابي) لأبرز وجوه المقاومة المسلحة في صفوف ثوار ليبيا وهي نفس الفكرة التي كان يروج لها القذافيان الكبير والصغير لإقناع الرأي العام الدولي أن الذين انتفضوا من أجل حرية وكرامة الليبيين ليسوا إلا أتباعا لأسامة بن لادن والظواهري، لكن الخدعة لم تنطل على المجتمع الدولي في حين تسربت إلى عقول بعض الجزائريين.
عبد الحكيم بلحاج أحد رموز الثورة الليبية لعله أيضا الرمز الأول الذي يريد النظام الجزائري أن يقدم به وجه ليبيا الجديدة، وجه تكفيري قاعدي إرهابي يصلح تماما لكي ينفر الجزائريون منه ويعادوا كل ما يأتي معه ومن ورائه، لست هنا مدافعا عن الرجل فهو أحسن من فعل ويفعل ذلك، ولمن يريد أن يعرف عنه أكثر أن لا يقرأ عنه ولا يستمع من أفواه أزلام النظام، بل اقرأوا أو استمعوا إليه مباشرة ولمن لم يفعل بعد يمكنه أن يعود إلى عدد يوم الأحد الماضي من صحيفة (لوموند) الفرنسية وفيها يقول بلحاج لمراسل الصحيفة أنه كان مضطرا إلى الفرار من ليبيا وأنه كان مجاهدا في أفغانستان أيام الاحتلال السوفياتي وأنه رفض الانضمام إلى تنظيم أسامة بن لادن لأنه لم يكن مثله يؤمن بضرورة قتل جميع المسيحيين واليهود وأنه عندما أسس مع شبان ليبيين الجماعة الإسلامية المقتلة لم يكن يريد من وراء ذلك إلا تحرير شعب ليبيا من طغيان القذافي وأنه لا يرغب الآن بعد انتصار الثورة الشعبية سوى إلى الحفاظ على أمن الليبيين وجيرانهم وجميع البلدان التي تربطها علاقات بليبيا.
كرر عبد الحكيم بلحاج عدة مرات وفي عدة مناسبات أنه ليس من القاعدة ولا تربطه بهذا التنظيم أية علاقة، وأنه طلق العمل المسلح في السابق ولم يعد إليه إلا بعد أن قرر القذافي مواجهة المتظاهرين المدنيين الليبيين بقوة النار والسلاح. كل شخص حر في أن يصدق هذا الكلام أو يرفضه ويستمر في انتظار قيام الإمارة الإرهابية الليبية تحت راية بلحاج ورفاقه، لكني أريد هنا فقط أن أذكر النظام الجزائري التي تروّج لهذه الأفكار السوداوية بعدد مختصر من المعطيات بحيث لا أتجاوز هذه المساحة المخصصة لمقالي الأسبوعي. أكتفي بسرد بعض الأسماء المعروفة لدى الجزائريين وربما لدى كثير على الساحتين العربية والدولية، وأسأل عن مصيرها الآن وعن تاريخها، ولنبدأ بأحد مؤسسي الجماعة الإسلامية المسلحة تلك الجماعة الإرهابية التي خاض النظام الجزائري ضدها حربا كلفت البلد ما لا يحصى من الخسائر في الأرواح والأموال والوقت، وأقصد هنا المدعو عبد الحق لعيايدة.
أين هو هذا الشخص؟ لمن لا يعرف أقول إنه حر طليق آمن في بيته. حسان حطاب، هل تذكرون هذا الاسم؟ نعم، إنه مؤسس الجماعة السلفية للدعوة والقتال التي صارت الآن تحمل اسم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. أين هو هذا الرجل الآن؟ إلى حد صدور نص قانوني يمنع أي شخص عن الإدلاء بمكانه كان معروفا لدى الجزائريين أنه صار ضيفا معززا مكرما لدى النظام الجزائري يؤويه في مكان آمن محمي لا يصل إليه كثير من الناس، مع أن اسمه لا يزال لحد الآن ضمن عدد من القضايا المطروحة على المحاكم الجنائية متهما بارتكاب أفعال تصل عقوبتها إلى الإعدام. هل تعرفون شخصا يدعى أحمد مراني ورفقاء له عديدين منهم رابح كبير والهاشمي سحنوني ومدني مزراق؟ نعم إنهم لقياديين ينتمون أو كانوا ينتمون إلى تنظيم مدني يسمى الجبهة الإسلامية للإنقاذ وآخر عسكري اسمه الجيش الإسلامي للإنقاذ وكلاهما وضعهما النظام الجزائري على رأس قائمة أعداء الوطن الذين خسرت الجزائر جراء الحرب عليهما في عقد التسعينات خاصة آلاف الأرواح والمليارات ولا يزال الآلاف مفقودين إلى يومنا من ضحايا هذه الحرب.
أين هؤلاء الآن؟ بعضهم آمن في بيته وآخرون آمنون في ملاجئهم وآخرون بلغ رضا السلطة عنهم أن عينتهم وزراء وسفراء يمثلون الحكومة الجزائرية. هل تذكرون الشيخ محفوظ نحناح؟ نعم هو الذي كان من أعداء الوطن مسجونا ومطاردا قبل أن ترضى عنه السلطة وتسمح أو توعز له بتأسيس حزب سياسي ارتقى إلى مصاف الأحزاب المشاركة في حكومات الائتلاف المتعاقبة. وهو الذي كان مشرفا على إرسال بعثات من الجزائريين إلى أفغانستان للجهاد ضد المحتل السوفياتي جنبا إلى جنب مع أسامة بن لادن وعبد الحكيم بلحاج. خليفته الآن على رأس الحزب هو أبوجرة سلطاني كان لسنوات وزيرا ويروى عنه أنه سافر هو الآخر إلى أفغانستان.
قرأت قبل أيام عن مصدر مستتر في الحكومة الجزائرية يوبخ الثورة الليبية التي احتضنت ضمن جنودها شخصا أو أشخاصا ألقت عليهم السلطات الجزائرية القبض وسلمتهم إلى نظام القذافي وكانوا متهمين بالانتماء إلى تنظيم مسلح، لا أعلم كثيرا من تفاصيل هذه المسائل لكنني أسأل هنا عن شخص يدعى عبد الرزاق البارا، عسكري جزائري فر من الجيش والتحق بالجماعة الإسلامية المسلحة ثم صار قياديا في جماعة حسان حطاب وقد اعتقلته السلطات المغربية وسلمته إلى الأمن الجزائري، أين هو الآن؟ في مكان آمن لا يختلف كثيرا عن الذي خصص لزميله حطاب وهو أيضا متابع في قضايا عديدة ذات صلة بالإرهاب.
لست هنا مهاجما ولا باغي فتنة في حق هؤلاء، فهذا ليس من اهتماماتي، لكني فقط أريد أن أذكر الذين يريدون استغباء الجزائريين والرأي العام الخارجي بحديثهم عن المسلحين والإرهابيين والقاعدة أن عليهم أن يبذلوا جهدا أكبر لمحو آثار أفعالهم قبل أن يعطوا دروسا لغيرهم، وإلا صاروا كقصة تلك المرأة التي تلقي محاضرات في الفضيلة والشرف وهي غارقة إلى أذنيها في الرذائل.
المقال رائع ويشرح نوايا النظام الجزائري وطريقة تعامله مع شغبه كما مع غيره بطريقة وافية,كافية,ضافية وشافية.
ولكن السبب الحقيقي من وراء الموقف العدائ الذي وقفته السلطات الجزائرية حيال الثورة في ليبيا ليس حرسها على بقاء القذافي في الحكم كما قد يبدو للبعض وانما هو خوفها من ان تمتد العدوى الى الجارة الجزائر فيستفيق الشعب فيها لينضم هو بدوره الى قافلة الشعوب الثائرة المطالبة بتغيير النظام.
اما حكاية الناتو والبكاء على الأطلال فهو من قبيل دموع التماسيح التى لم تعد تنطلى على احد لإن الناس بدؤا يتفطنون الى مكرحكامهم وخبثهم.
ومهما فعلوا من محاولات يائسة فإن التغيير قادم لا محالة.قد يتطلب بعض الوقت هذا صحيح ولكن الأمور حسمت وما بقي لهم سوى الرحيل او مواجهة مصير مماثل لنضرائهم القدامى .
2 comments
sahla mahla allah yatik essaha……….vive libya alhoura.
المقال رائع ويشرح نوايا النظام الجزائري وطريقة تعامله مع شغبه كما مع غيره بطريقة وافية,كافية,ضافية وشافية.
ولكن السبب الحقيقي من وراء الموقف العدائ الذي وقفته السلطات الجزائرية حيال الثورة في ليبيا ليس حرسها على بقاء القذافي في الحكم كما قد يبدو للبعض وانما هو خوفها من ان تمتد العدوى الى الجارة الجزائر فيستفيق الشعب فيها لينضم هو بدوره الى قافلة الشعوب الثائرة المطالبة بتغيير النظام.
اما حكاية الناتو والبكاء على الأطلال فهو من قبيل دموع التماسيح التى لم تعد تنطلى على احد لإن الناس بدؤا يتفطنون الى مكرحكامهم وخبثهم.
ومهما فعلوا من محاولات يائسة فإن التغيير قادم لا محالة.قد يتطلب بعض الوقت هذا صحيح ولكن الأمور حسمت وما بقي لهم سوى الرحيل او مواجهة مصير مماثل لنضرائهم القدامى .